محنة غزة ‏ونكبة الأمة – طريق الإسلام

بينما لا تستطيع الشعوب العربية ودولها كلها تقديم كيس خبز لطفل يموت جوعا في غزة فضلا عن وقف الحرب عليها، وفك الطوق عنها إلا بإذن من ترامب!

‏تدفع غزة اليوم كما الضفة الغربية والقدس وفلسطين كلها ثمن نكبة الأمة وسقوطها في الحرب العالمية الأولى، وقيام المشروع الوطني الذي صنعه وهندسه ورعاه النظام الغربي منذ احتل الجنرال البريطاني أدموند اللنبي دمشق والقدس، وأخرج جيوش الخلافة العثمانية منها؛ لترعى بريطانيا بعده المشروع القومي العربي الذي وعدت به الشريف حسين إبان ثورته ضد الخلافة سنة ١٩١٦م، ثم تخلت عنه لاحقا للمشروع الوطني وفق سياستها الاستعمارية (فرِّق تسُـد) وما زالت بريطانيا وفرنسا تقسّم المنطقة العربية الواحدة، وتتقاسم بلدانها وترسم الحدود بين أقاليمها وفق مصالحها حتى فصلت عرى ما بين مصر وغزة، وما بين دمشق والقدس، وما بين الأردن والضفة الغربية؛ لتصبح الأمة الواحدة شعوبا متناحرة، ودولا متنافرة فاقدة للسيادة، والهوية الجامعة، والقدرة على حماية نفسها فضلا عن غيرها، بل لا تستغني طرفة عين عن المحتل الغربي وقواعده وجيوشه؛ لحماية وجودها وحدودها وقتال بعضها بعضا!

وأصبح لكل شظية جغرافية، ودويلة عربية وظيفية؛ هوية وطنية مصطنعة يمتد حبلها السري بعواصم سايكس بيكو من لندن وباريس إلى واشنطن وموسكو الذي تمده بكل أسباب الوجود والبقاء ابتداء من الاعتراف به وتعميده صليبيا في الأمم المتحدة تحت نفوذ إحدى الدول الأوربية في مجلس الأمن (بريطانيا فرنسا أمريكا روسيا)؛ ليظل تابعا لها، وانتهاء باختيار نظامه السياسي، ودستوره وقانونه، والسلطة التي تقوم بإدارته، وتحديد مهامه وميزانياته!

‏ومن رحم سايكس بيكو ولد المشروع الفلسطيني -كما كل المشاريع الوطنية القطرية في العالم العربي- الذي ظل قوميا عربيا منذ المؤتمر العربي الفلسطيني عام ١٩١٩م وثورة عز الدين القسام ١٩٣٦م وتأسيس الحاج أمين الحسيني (اللجنة العربية العليا) إلى حلها عام ١٩٤٦م حيث بدأ التحضير لولادة المشروع الوطني الفلسطيني الذي اكتمل بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ لتصبح القدس وفلسطين قضية شعب لا يتجاوز تعداده آنذاك ٢ مليون فلسطيني بدلا من أمة كان تعدادها ٥٠٠ مليون نسمة، بدأت تفقد شيئا فشيئا -بتنامي حسها الوطني الجاهلي- علاقتها بالقدس وفلسطين كقضية إسلامية توجب على جميع الأمة وشعوبها مسئولية تحريرها، لا فقط الشعب الفلسطيني الذي لا يستطيع وحده مواجهة المعسكر الغربي الدولي الذي احتل فلسطين والقدس، وأقام فيها المشروع الصهيوني الذي يقوم اليوم بإبادة غزة، وتهجير شعبها وحصاره؛ لخدمة الغرب نفسه، وبحماية أساطيله وجيوشه، بينما لا تستطيع الشعوب العربية ودولها كلها تقديم كيس خبز لطفل يموت جوعا في غزة فضلا عن وقف الحرب عليها، وفك الطوق عنها إلا بإذن من ترامب!                    

‏ليكون ذلك إعلانا رسميا عن وفاة المشروع العربي القومي والوطني، وضرورة استعادة الأمة من جديد مشروعها الإسلامي الذي وحّدها وحررها مدة ١٣٠٠ عام، وعاشت خلال مئة عام من غيابه هذه المأساة التي تتكرر في كل بلد، وهذا التيه السياسي الذي جربت شعوبه فيه كل المشاريع السياسية البديلة، فما ازدادت إلا ضعفا وتشرذما، وعجزا وهزيمة!      

‏وحين تتجاوز شعوب الأمة العصبيات الجاهلية القومية والوطنية التي فرضها عليه المحتل الأوربي، وحين تسقط من نفوسها قدسية حدوده وخرائطه وهوياته التي صنعها لها وبين شعوبها؛ حينها ستنهض من كبوتها، وتستعيد قوتها، وتغير واقعها، فواقع الأمم هو انعكاس لأفكارها ورؤاها التي تسيطر عليها وتتحكم بها {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} [الرعد: ١١].


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

من فضائل الأعمال حمد الله بعد الأكل والشرب

عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *