اختصار المتون عند البخاري ومسلم

قد يختصر أحد الشيخين الحديث الذي أخرجاه من طريق واحد، فيقتصر على رواية بعضه، ويرويه الآخر تاماً، فيحصل تفاوت بين الروايتين طولاً وقصراً، ويكون هذا بسبب الاختصار.

أ. د. حسن محمد عبه جي

 

قد يختصر أحد الشيخين الحديث الذي أخرجاه من طريق واحد، فيقتصر على رواية بعضه، ويرويه الآخر تاماً، فيحصل تفاوت بين الروايتين طولاً وقصراً، ويكون هذا بسبب الاختصار.

 

وللعلماء في جواز اختصار الحديث أقوال: فمنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من أجازه مطلقاً، ومنهم من شرط لجوازه أن يكون مروياً بتمامه في موضع آخر عنده أو عند غيره.

 

قال ابن الصلاح [15، ص 190]: (( والصحيح التفصيل، وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله غيرَ متعلق به، بحيث لايختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ماتركه )).

 

وقد وقع في كتاب البخاري اختصار لبعض الأحاديث التي رواها مسلم تامة، كما وقع في كتاب مسلم اختصار لبعض الأحاديث التي رواها البخاري تامة، مما يدل على أن الاختصار للأحاديث ليس خاصاً بالبخاري، وإن كان في كتابه أكثر منه في كتاب مسلم.

 

مثال الاختصار عند البخاري: قوله [3، ج- 1، ص 667، ح 469]: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثُمامة بن أُثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد.

 

وكرره في موضع آخر [3، ج- 5، ص 90، ح 2422] وزاد: فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( ما عندك ياثُمامة؟ )) قال: عندي يامحمد خير – فذكر الحديث – فقال: (( أطلقوا ثُمامة )). هكذا رواه البخاري مختصراً من هذه الطريق.

 

ورواه مسلم [4، ج- 3، ص 1386، ح 59- 1764] بالسند المتقدم، فذكر قصة إسلام ثُمامة كاملة وطوّله، فجاء عنده في أكثر من صفحة من المطبوع.

 

ومثال الاختصار عند مسلم: قوله [4، ج- 3، ص 1540، ح 33- 1802]: حدثنا محمد بن عباد وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا حاتم – وهو ابن إسماعيل – عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر. ثم إن الله فتحها عليهم، فلما أمسى الناس اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ماهذه النيران؟، على أي شيء توقدون؟ )) قالوا: على لحم. قال: (( على أي لحم؟ )). قالوا: على لحم حُمُر إنسية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أهريقوها، واكسروها )). فقال رجل: يارسول الله أوْ نُهَريقوها ونغسلها؟ قال: (( أوْ ذاك )).

 

ورواه البخاري [3، ج- 10، ص 553، ح 6148] قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، به. وزاد في أوله قصة حداء عامر بن الأكوع بالقوم، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالرحمة، وزاد في آخره قصة استشهاده.

 

وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأحاديث التي اختصرها البخاري في موضع أخرجها في موضع آخر كاملة أو مشتملة على الجزء المختصر، وقد يختصر الحديث ولا يورده مرة أخرى، لكن يكون المحذوف منه غالباً الجمل الموقوفة، فهو في هذا يقتصر على الجزء المرفوع منه.

 

نقل ابن حجر [10، ص 17] عن محمد بن طاهر المقدسي قوله: (( وأما اقتصاره – يعني البخاري – على بعض المتن ثم لايذكر الباقي في موضع آخر، فإنه لايقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفاً على الصحابي، وفيه شيء قد يحكم برفعه، فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ويحذف الباقي؛ لأنه لاتعلق له بموضوع كتابه )) ثم أورد مثالاً على هذا.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

احذر من الأفيال البعيدة – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة كل شيء لم تستطِع سداده، فلا تقبَل بالمزيد منه، سواء كانت وعودًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *