تدبر آية الكرسي – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي: الله لا معبود بحق إلا هو سبحانه، فلا أحد كائنًا مَن كان يشاركه في استحقاق العبادة، {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} اسمان من أسماء الله الحسنى، فالله هو الحي حياة كاملة لم يتقدمها عدم، ولا يلحقُها فناء، {الْقَيُّومُ} أي: الدائم الذي لا يزول، القائم بنفسه

قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].

 

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 255]؛ أي: الله لا معبود بحق إلا هو سبحانه، فلا أحد كائنًا مَن كان يشاركه في استحقاق العبادة، {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] اسمان من أسماء الله الحسنى، فالله هو الحي حياة كاملة لم يتقدمها عدم، ولا يلحقُها فناء، {الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]؛ أي: الدائم الذي لا يزول، القائم بنفسه، والمقيم جميع خلقه بالإيجاد والرزق والتدبير، فهو الغني عن جميع خلقه، لا يحتاج إلى الملائكة، ولا إلى العرش، ولا إلى أحد من الخلق، وجميعهم فقراء إليه، لا يستغنون عن الله، {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]؛ السِّنَة: ابتداء النعاس، وهو الفتور الذي يتقدم النوم، الله سبحانه لا ينعَس ولا ينام، لكمال حياته، وكمال صفاته.

 

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] كل ما في السماوات وما في الأرض عبيدٌ لله، مملوكون له، وهو المتصرف وحده في جميع خلقه بمشيئته وحكمته.

 

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]؛ أي: مَنْ هذا الذي يملك الشفاعة عند الله إلا بإذن الله؟ فالشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا بعد إذن الله سبحانه، فلا يجرؤ أحد من الأنبياء والملائكة والصالحين يوم القيامة أن يشفع لأحد إلا بإذن الله لمن يريد أن يرحمهم من المسلمين، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38]، وقال سبحانه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وقال عز وجل: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، والله لا يرضى إلا عن المسلمين الموحِّدين، أما الكافرون فلا يرضى عنهم، ولا شفاعة لهم، كما قال الله عنهم: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]. 

وقال سبحانه حاكيًا عنهم أنهم يقولون: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100، 101]، فالشفاعة المثبتة هي لأهل التوحيد من المسلمين، والشفاعة المنفية هي في حق الكافرين، وتواترت الأحاديث النبوية في إثبات الشفاعة للموحِّدين، والشفاعة أنواع منها: الشفاعة لبعض الصالحين أن يدخلوا الجنة بلا حساب، ومنها: الشفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة، ومنها: الشفاعة لأناسٍ من الموحِّدين قد أُمر بهم إلى النار ألَّا يدخلوها، ومنها: الشفاعة في خروج الموحِّدين من النار، ويتمنَّى الكفار حين يُخرِج الله الموحِّدين من النار أنهم كانوا مسلمين ليخرجوا منها كعصاة المسلمين، قال سبحانه: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2]، فالذين يُخلَّدون في نار جهنم أبدًا هم الكُفَّار، أما أهل الكبائر من المسلمين فيُعذِّبهم الله في قبورهم بما شاء من أنواع العذاب، ويعذبهم يوم القيامة عذابًا عظيمًا كما يشاء، وإن أدخلهم النار لا يُخلَّدون فيها؛ بل يُخرجهم الله منها برحمته متى شاء، ولا يبقى في النار مَن كان في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من إيمان، قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]، وقال عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 106، 107].

 

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: 255] يبين الله سبحانه سعة علمه، فهو يعلم الماضي والحاضر والمستقبل لكل مخلوق بالتفصيل، فلا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه في الدنيا والآخرة.

 

{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] يبين الله سبحانه قلة علم المخلوقين بالنسبة إلى علم الله، كما قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، فالعباد لا يعلمون شيئًا من علم الله الواسع إلا بما شاء أن يُطلعهم عليه، سواء من العلم الديني أو العلم الدنيوي، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] الكرسي مخلوق عظيم من مخلوقات الله يسع السماوات السبع والأرض، فالسماء الدنيا التي زيَّنها الله بالنجوم تحيط بالأرض من جميع جوانبها، والسماء الثانية تحيط بالسماء الأولى، وهكذا تحيط كل سماء بالسماء التي دونها، والكرسي فوق السماء السابعة، وفوقه العرش العظيم، وهو مستِقرٌّ على ماء عظيم بقدرة الله كما أخبرنا الله بذلك في قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]؛ أي: كان ولم يزل، وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد حسن عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمس مائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمس مائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله عز وجل على العرش يعلم ما أنتم عليه”، ولا نعلم كيفية الكرسي ولا العرش، والعرش أعظم من الكرسي؛ بل هو أعظم المخلوقات، كما قال الله تعالى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: 255]؛ أي: ولا يُثقِل اللهَ ولا يُتعِبه ولا يشق عليه حفظُ السماوات السبع والأرض وما فيهما من الخلق، فالله يحيي ويميت، ويُقدِّر الأرزاق، ويجيب الدعوات، ويُقلِّب الليل والنهار، ويُدبِّر الكون وما فيه بما يشاء، وهو أحكم الحاكمين سبحانه.

 

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] هذان اسمان من أسماء الله الحسنى، فالله هو العلي بذاته وقَدْره وقهره، فهو العلي علو ذات، استوى على عرشه كما يليق بجلاله، وهو العلي علو قدرٍ في عظمته وصفاته، وهو العلي علو قهر على جميع خلقه، قهر كل شيء بقدرته وتدبيره، وهو العظيم الذات والصفات، له جميع معاني العظمة، فهو الكامل في جميع صفاته، وهو أعظم وأكبر من كل شيء، فيجب على المسلم تعظيمُ الله سبحانه، وتعظيمُ أمره ونهيه، وتعظيمُ شرعه، والاستقامةُ على دينه، والخوفُ من عقابه.

_____________________________________________
الكاتب: د. محمد بن علي بن جميل المطري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الذكاء الاصطناعي مفتاح التأهيل لسوق العمل في عصر التقنية

منذ حوالي ساعة الذكاء الاصطناعي يوفر العديد من الفرص لتأهيل الأفراد بشكل فعَّال ومتخصص لسوق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *