أيها الآباء وأيتها الأمهات، إن الحرص على الأذكار الشَّرعيَّة والأدعية النَّبويَّة هو خير ما أُمضيت فيه الأوقات، وصُرِفت فيه الأنفاس، وهو مِفْتاحٌ لأنواع الخيرات في الدُّنيا..
هل تتمنَّى لطفلك أن يكون صالحًا؟ سليم العقيدة، حسن الخلق، منضبطًا ومُنظَّمًا في شؤونه، كلنا يتمنَّى ذلك، ولكن من الناس من يقف على شواطئ الأماني، يُردِّدُها ويعيدها، ومن الناس من يبحث عن الوسائل العملية لتحقيقها، ثم يتفاوت الناس من بعد ذلك في مستويات العمل والسعي؛ قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: 39، 40].
والأذكار يُراد بها: جميع أنواع العبادات القلبيَّة والبدنيَّة مع أعمال اللِّسان فيشمل بعمومه: التَّوحيد، والصَّلاة، والزَّكاة، والحجَّ، وقراءة القرآن، والدُّعاء، والتَّسبيح والتَّهليل، والتَّحميد، والتَّمجيد، والاستغفار، ومُدارَسة العلم الشَّرعي وغيرها من أنواع الطَّاعات الَّتي تقرِّب العبدَ إلى ربِّه؛ لأنَّها إنَّما تُقام لذكر الله وطاعته وعبادته، كما قرَّر ذلك أهل العلم.
قال النَّووي رحمه الله: «اعلم أنَّ فضيلة الذِّكر غير منحصرة في التَّسبيح، والتَّهليل، والتَّحميد، والتَّكبير، ونحوها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ؛ فهو ذاكرٌ لله تعالى»، وقال عطاء رحمه الله: «مجالس الذِّكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع وتصلِّي وتصوم، وتنكح وتُطلِّق، وتحجُّ، وأشباه هذا».
تقول فتاة: ولدي يبلغ من العمر العاشرة، وهو ذكي ومتفوق في دراسته ومؤدب في تعامله مع الناس، قبل شهرين تدهورت حالته وأصبحت الأمراض تزوره في كل وقت، أصبحت زيارتنا للمستشفى متكررة، نصحتني جارتي أن أُعلِّمه الأذكار، فهي تحفظه بعد الله من الحسد والعين ومن الأمراض، وتجعله متعلقًا بالله.
أيها الآباء وأيتها الأمهات، إن الحرص على الأذكار الشَّرعيَّة والأدعية النَّبويَّة هو خير ما أُمضيت فيه الأوقات، وصُرِفت فيه الأنفاس، وهو مِفْتاحٌ لأنواع الخيرات في الدُّنيا، روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَل الحَيِّ وَالمَيِّتِ»؛ (رواه البخاري).
وللذكر فوائد على أولادنا عند الالتزام بها؛ ومنها:
• الهداية والتوفيق؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 – 43].
• أنها من أفضل الأعمال؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟! قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ»؛ (رواه أحمد).
• معية الله لهم؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبْتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولةً»؛ (رواه البخاري).
• الوقاية من العين والحسد والسحر، جاء في صحيح أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال: بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمُ ثلاث مراتٍ، لم تُصِبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبِحَ، ومَن قالها حينَ يُصبِحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصِبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي».
وعلى الآباء والأمهات عند تربية الأولاد على الأذكار اتِّباع الأساليب التالية، ومنها:
• أن يكون الوالدان قدوةً صالحةً لهم، حتى يتأسَّى الأبناء والبنات بهذه الشخصية ويسلك طريقها، مثل: أنْ يحرص الأبوان على التَّلفُّظ بالأذكار النَّبويَّة المتنوِّعة، وإسماعها للأطفال ليقتدوا بهم ويقلِّدوهم، وخاصَّةً الأذكار المتكرِّرة يوميًّا؛ كأذكار الصَّباح والمساء، وأذكار دخول المنزل والخلاء، والخروج منهما، وعند دخول المسجد والخروج منه، وأذكار الأكل والشُّرب، والسَّلام، والعطاس، والنَّوم والاستيقاظ، وغيرها ممَّا يتكرَّر كثيرًا.
• تعويد الأولاد منذ الصغر على قراءة القرآن وحفظه وتلاوته وتدارُسه، سواء في البيت أو في المسجد، فهو أعظم الذكر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ»؛ (صحيح مسلم).
• توجيه الأولاد بالاقتران بصحبة صالحة تُعينهم على تعلُّم الأذكار وتدارسها، فالرفاق والأقران من أكثر الناس تأثيرًا في الأولاد.
• أن يُراعيَ الوالدانِ في تعليمهم للأذكار النَّبويَّة المتنوِّعة مبدأ التَّدرُّج بحيث يبدأ بالأذكار الَّتي تتميَّز بالقِصَر والاختصار.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح لنا ولكم الذرية، هذا وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد.
Source link