متى نصر الله؟ – طريق الإسلام

‏إن الأمة التي تُنصر ليست التي تكثر صراخًا، ولا التي تهتف باسم الله وهي تهجر هداه، ‏بل التي تمتلك مشروعًا منطلقًا من الوحي، ناظرًا في الواقع، جامعًا بين العقيدة والعمل.

في زمنٍ علا فيه الهُتاف، وخفَّ فيه الاتِّباع، وكثرت الوعودُ وغاب العمل.
‏في زمنٍ تُرفع فيه الشعاراتُ بلا جسور، وتُطلبُ النتائجُ بلا مقدمات، وتُستعجلُ الثمراتُ قبل بذر البذور.
‏في زمنٍ ارتفعت فيه الأصوات تطلب النصر، وهي لا تسير في طريقه، ولا تحتمل أعباءه، ولا تتهيّأ لاستحقاقه…

‏يحسن، بل يجب، أن يُستعاد ذلك السؤال القرآني العميق: {متى نصر الله؟}
‏سؤالٌ ليس من جزع، ولا من يأس، بل من صدق التجرّد، وشدة التمحيص.
‏سؤالُ الذين ثبتوا على الطريق، وطهرت قلوبهم في البلاء، واستيقنوا في زمن الريبة.

‏وكان الجواب الرباني حاسمًا: {ألا إن نصر الله قريب}

‏لكن هذا القرب لا يكون كما يظنه المتعجّلون، بل هو وعدٌ يُستوفى بشروطه، ويُستجلب بأسبابه.
‏هو قريب… إذا طهرت النيات، واستقامت الخطى، وثبتت القلوب، وتلقّت الأرض بذور الوحي مهيّأة للإنبات.

‏أما التفاؤل المجرّد، الذي لا يقوم على مشروع، ولا تحمله أسباب، فخديعة مهلكـة.
‏تفاؤلٌ يُسكر العقل، ويُعمي البصيرة، ويجعل الغفلة ثقة، والعجز توكّلًا، والكسل رجاء.
‏وذلك ليس من الدين، بل من مكر العدو، أو جهل الصاحب.

‏إنّ الإسلام لا يَعِدُ بالنصر من جلسوا على الأرائك يحلمون، ‏بل بمن قاموا في الناس دعاةً ومصلحين،
‏من قرنوا الأمل بالسعي، والدعاء بالإعداد، والتوكل بالبذل، ‏من حرّكوا عجلة التغيير بدل أن ينتظروا دورانها.

‏لذا لابد من فهم معنى  النصر؟

‏النصر ليس رايات تُرفَع، ولا منصّات تُقام
‏بل ثبات الجبهة على خط الإيمان، وخشوع الجباه بين يدي الله، ونقاء اليد من التلوّث.
‏هو أن تبقى البوصلة ثابتة، والعزائم مشدودة، والقلب على العهد، والفكر على النهج، والخطى على الصراط، مهما طال الطريق.

‏إن الأمة التي تُنصر ليست التي تكثر صراخًا، ولا التي تهتف باسم الله وهي تهجر هداه، ‏بل التي تمتلك مشروعًا منطلقًا من الوحي، ناظرًا في الواقع، جامعًا بين العقيدة والعمل.

‏مشروع يوازن بين البناء الإيماني والتأهيل الواقعي، بين تربية النفوس وترتيب الصفوف، ‏لا يجعل من الفرعيات أصلًا، ولا من الخلافات المذهبية عائقًا.
‏بل هو مشروعٌ جامع، يؤمن بالكليات، ويتناصح في الجزئيات، ‏يسير بالأمة إلى الأمام، تحت مظلة توحيد لا تفرقة، وولاء لا خصومة، وبصيرة لا تعصّب.

‏وهنا نفهم وعد الله في محكم كتابه، وعدًا لا يُنال بالأماني، ولا يُدرك بالهتاف:

‏{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
‏[النور: 55]

‏ذلك هو الطريق، وتلك هي الشروط، ومن وفّى بعهد الله، وفى الله له بوعده، واستحق ساعتها البشارة ‏(وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين)

_______________________________________________

الكاتب: د. أحمد المحمدي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

من أسباب الفوز بستر ﷲ

احرص على هذا الدعاء العظيم يومياً، في الصباح والمساء مرة واحدة، وقد كان النبي ﷺ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *