لم يأذن الله تعالى لأحد بالطواف حول بنيان غير بيته الحرام، وجعل ذلك من أفضل الأعمال، فأمر به في كتابه الكريم، فقال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]
لم يأذن الله تعالى لأحد بالطواف حول بنيان غير بيته الحرام، وجعل ذلك من أفضل الأعمال، فأمر به في كتابه الكريم، فقال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، وأمر خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بتطهير بيته الحرام للطائفين والعاكفين والمصلين، فقال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]، وقال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26]،
وجعل الشارع الحكيم الطواف حول الكعبة ركنًا على كل حاج ومعتمر لبيته الحرام، فلا يصح الحج والعمرة إلا بالطواف حول الكعبة، وفيما عدا الحج والعمرة، رغب فيه الشارع الحكيم، وجعل عليه أجرًا عظيمًا، والمغبون مَن فرَّط فيه بعد تيسره له.
والطواف له فضائل كثيرة؛ منها:
1- الطواف حول الكعبة كالصلاة:
• فقد أخرج الترمذي وابن حبان من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطوافُ حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه، فلا يتكلم إلا بخير»؛ (صحيح الجامع: 3955).
• وفي رواية عند الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي بلفظ: «الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير»؛ (صحيح الجامع: 3954).
وفي رواية عند الطبراني في الكبير بلفظ: «الطواف صلاة، فأقِلُّوا فيه الكلام»؛ (صحيح الجامع: 3956).
تنبيه:
القول بأنه يلزم للطواف وضوءٌ من المسائل الخلافية، والراجح فيها أنه لا يلزم لأمرين:
الأول: أن الحديث السابق لا يصح مرفوعًا، والصواب أنه موقوف من كلام ابن عباس كما رجحه الترمذي والبيهقي وابن تيمية، وابن حجر… وغيرهم.
الثاني: على فرض صحته، فلا يلزم منه أن الطواف يشبه الصلاة في كل شيء حتى يُشْتَرَط له ما يُشْتَرَط للصلاة، ثم إن الصلاة الشرعية التي يُشْتَرَط لها الطهارة ونحوها ما كان تحريمها الكبير وتحليلها التسليم.
لذا قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (26/ 298):
وتبيَّن لي أن طهارة الحدث لا تُشْتَرَط في الطواف، ولا تجب فيه بلا ريبٍ، ولكن تُسْتَحب فيه الطهارة الصغرى (الوضوء)، فإن الأدلة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيها، وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه؛ اهـ.
وإلى هذا ذهب ابن حزم رحمه الله كما في المحلى (7/ 218)؛ (انظر صحيح فقه السُّنَّة: 1/ 123)، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في الشرح الممتع (7/ 200):
وعليه فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكن بلا شك أفضل وأكمل واتباعًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد؛ اهـ.
2- الطواف بالبيت الحرام كعتق رقبة:
• فقد أخرج ابن ماجه عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من طاف بالبيت سبعًا، وصلى ركعتين، كان كعتق رقبة»؛ (صحيح الجامع: 6379).
• وأخرج الطبراني من حديث محمد بن المنكدر عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من طاف بالبيت أسبوعًا ([1]) لا يلغو فيه كان كعدل رقبة يعتقها»؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1140).
3 – الطواف بالبيت الحرام يكفر الله به السيئات، ويكتب به الحسنات، ويرفع به الدرجات:
• فقد أخرج الترمذي والنسائي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه، كان كعتق رقبة، لا يضع قدمًا، ولا يرفع أخرى، إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة».
• وعند ابن خزيمة وابن حبان بلفظ: «من طاف بالبيت أسبوعًا لا يضع قدمًا، ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة، ورفع له بها درجة»؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1142).
• وأوجب الشارع على كل حاج أراد الخروج من مكة أن يطوف بالكعبة طواف الوداع، فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفَّف عن الحائض.
وفي رواية عند مسلم بلفظ: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحد حتى يكون أخر عهده بالبيت».
قال الدهلوي رحمه الله: والسرُّ في طواف الوداع هو تعظيم البيت بأن يكون هو الأول وهو الأخر، تصويرًا لكونه هو المقصود من السفر، وموافقة لعادتهم في توديع الوفود ملوكها عند النفر، والله أعلم.
وحذَّر الشارع من منع الطائفين حول الكعبة متى شاؤوا، فقد أخرج أهل السنن وابن خزيمة وابن حبان عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني عبد مناف، لا تمنعُنَّ أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أيَّ ساعة شاء من ليل أو نهار؛ (صحيح الجامع:7900).
وقـفـة:
عليك أخي الحبيب أن تُكثر من الطواف حول البيت – إن استطعت إلى ذلك سبيلًا – قبل أن تزول عنه – أي بالموت – أو يزول هو عنك؛ أي بالرفع.
• فقد أخرج ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استمتعوا بهذا البيت فقد هُدِمَ مرتين، ويُرفعُ في الثالثة»؛ (الصحيحة: 1451)، (صحيح الجامع: 955).
[1] أسبوعًا أي سبعة أشواط.
____________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد
Source link