التحذير من بغض أهل البيت بسبب بعض الظالمين منهم – محمد بن علي بن جميل المطري

وللتوسع ينظر: كتاب حقوق آل البيت لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة للشيخ عبد المحسن العباد البدر، ورسالة: فضائل أهل بيت النبوة في كتب السنة، للكاتب.

قال الله تعالى عن إبراهيم وإسحاق عليهما الصلاة والسلام: {{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}} [الصافات: 113]، وقال سبحانه: { {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}} [هود: 73]، أخبر الله في هاتين الآيتين أن أهل بيت النبي إبراهيم، ومثلهم أهل بيت النبي محمد عليهم رحمة الله وبركاته، وأن منهم المحسن، ومنهم الظالم لنفسه ظلما مبينا، والواجب على المسلم حب الصالحين من أهل بيت النبي صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ولا يجوز بغضهم بسبب بعضهم، قال الله تعالى: {{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}} [المائدة: 8].

فحب أهل بيت النبي أمر واجب على كل مسلم، وهو مما يثقل ميزان العبد يوم القيامة، وهو أمرٌ ثقيل على بعض الناس، روى الإمام مسلم في صحيحه (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((أما بعد، ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به))» ، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «((وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي))» .

قال البغوي رحمه الله في كتابه ((شرح السنة)) (14/ 118): (قيل: سماهما ثقلين، لأن الأخذ بهما، والعمل بهما ثقيل، وقيل في تفسير قوله عز وجل: { {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}} [المزمل: 5] أي: أوامر الله، وفرائضه، ونواهيه، لا تؤدى إلا بتكلف ما يثقل، وقيل: قولا ثقيلا، أي: له وزن، وسمي الجن والإنس ثقلين، لأنهما فُضِّلا بالتمييز على سائر الحيوان، وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه، فهو ثقل).

وأول من يدخل في أهل بيت النبي: فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك: علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب وعُبَيدة بن الحارث بن عبد المطلب، والحسن والحسين ابنا علي، وبقية أولاد علي كمحمدِ بن الحنفية وعمرَ بن علي والعباسِ بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وسائر أولادهم وذريتهم، وكذلك يدخل في أهل بيت النبي: زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، كما قال تعالى: {{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} } [الأحزاب: 32، 33].

قال الزمخشري رحمه الله في ((الكشاف)) (3/ 538): (في هذا دليل بيِّنٌ على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته).

وقال ابن عطية رحمه الله في تفسيره (4/ 384): (أهل البيت زوجاته وبنته وبنوها وزوجها، وهذه الآية تقضي أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (6/ 410، 411، 416): (هذا نصٌّ في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، … لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: {{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}} ، فإن سياق الكلام معهن … ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته، فقرابته أحق بهذه التسمية).

فالله الله في حب أهل البيت، والحذر الحذر من بغضهم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار» )). [ رواه ابن حبان في صحيحه (6978) وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، وصححه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2488)] .

قال المناوي رحمه الله في ((فيض القدير)) (2/ 519): (بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار، كيف وهم أبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده، وهم فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في كثير من الآيات؟).

فكما أن بعض الناس يُفتن بسبب بعض أفعال المسلمين المخالفة للشرع والأخلاق، فيُبغض بسببهم الإسلام وجميع المسلمين، فكذلك بعض الناس يُفتن بسبب بعض أفعال أهل البيت المخالفة للشرع والعدل والأخلاق، فيُبغض جميع أهل البيت عليهم السلام، والله المستعان.

 ومما يدل على فضل أهل بيت النبي ورفعة منزلتهم أن الله سبحانه قال: {{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}} [الأحزاب: 56]، وروى الإمامان البخاري (6357) ومسلم (406) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: « ((قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))» .

وقد جاء تفسير معنى الآل في حديث آخر رواه البخاري (6360) ومسلم (407) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: «((قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))» .

وقد رد العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (ص: 225 – 228) على من يزعم أن المراد بالآل في الصلاة الإبراهيمية هم الأتباع، ومما قال رحمه الله: (أما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه، … والله أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم مستفتحا ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أي صفة يؤدون هذا الحق؟ فقال: « ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد))» ، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها؛ لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفا وعلوا، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما … وأما من زعم أن الآل هم الأتباع فيقال: لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد به الأتباع، لما ذكرنا من النصوص).

وللتوسع ينظر: كتاب حقوق آل البيت لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة للشيخ عبد المحسن العباد البدر، ورسالة: فضائل أهل بيت النبوة في كتب السنة، للكاتب.

وكتب/ محمد بن علي بن جميل المطري

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة

قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» فيليب لازاريني، إن «المآسي تتواصل في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *