في هذه الآية الجليلة، تتجلّى هندسة ربّانية دقيقة لسُنن التآكل والتمكين؛ حيث لا تأتي الهزائم بضربة واحدة، ولا تسقط الحضارات دفعةً واحدة، بل تبدأ الأطراف بالتفكك، شيئًا فشيئًا، في تآكل صامت لا يُرى في خرائط النشرات، بل يُدرك ببصيرة السنن.
قال تعالى: {أَوَلَم يَرَوا أَنّا نَأتِي الأَرضَ نَنقُصُها مِن أَطرافِها وَاللَّهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ وَهُوَ سَريعُ الحِسابِ وَقَد مَكَرَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلِلَّهِ المَكرُ جَميعًا يَعلَمُ ما تَكسِبُ كُلُّ نَفسٍ وَسَيَعلَمُ الكُفّارُ لِمَن عُقبَى الدّارِ} [الرعد: ٤١–٤٢]
في هذه الآية الجليلة، تتجلّى هندسة ربّانية دقيقة لسُنن التآكل والتمكين؛ حيث لا تأتي الهزائم بضربة واحدة، ولا تسقط الحضارات دفعةً واحدة، بل تبدأ الأطراف بالتفكك، شيئًا فشيئًا، في تآكل صامت لا يُرى في خرائط النشرات، بل يُدرك ببصيرة السنن.
وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: ثم قال متوعِّدًا للمكذبين: {أو لم يروا أنا نأتي الأرضَ ننقُصُها من أطرافها}: قيل: بإهلاك المكذبين واستئصال الظالمين.وقيل: بفتح بلدان المشركين ونقصهم في أموالهم وأبدانهم، وقيل غير ذلك من الأقوال.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أنَّ المراد بذلك أنَّ أراضي هؤلاء المكذِّبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ويُحِلُّ القوارع بأطرافها تنبيهًا لهم قبل أن يجتاحهم النقص ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يردُّه أحدٌ، ولهذا قال: {والله يحكم لا مُعَقِّبَ لحكمِهِ}
ويدخل في هذا حكمه الشرعيُّ والقدريُّ والجزائيُّ؛ فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها توجد في غاية الحكمة والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، بل هي مبنيَّة على القسط والعدل والحمد؛ فلا يتعقَّبها أحدٌ، ولا سبيل إلى القدح فيها؛ بخلاف حكم غيره؛ فإنَّه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه. {وهو سريع الحساب}؛ أي: فلا يستعجلوا بالعذاب؛ فإنَّ كل ما هو آتٍ فهو قريبٌ.
Source link