منذ حوالي ساعة
(إنما أنا بشر مثلكم) الكفاح للحفاظ على هذا التماثل رحلة صعبة لا يطيقها إلا داعية يشبهنا.
قبل عقود طويلة وفي بدايات معرفتي لأهل الخير والعلم والدعوة عرفت رجلا صالحا فاعلا في أبواب كثيرة من أبواب الخير يعلم ويدعو ويربي ويساعد الناس
ذهبت إليه كما يذهب الناس ولقيته وتحدثت إليه
لم تطل حالة الوحشة المعتادة مع المعارف الجدد
فقد ولجت إلى عالمه المشرع الأبواب
بل قل عالمه الذي لا يعرف الأبواب
ودهشت من نفسي بعد؛
أني حدثته ذات مرة عن بعض معاناتي التي لم أكن أبوح بها إلا لأقرب قريب.
وأتساءل الآن عن السر الذي دفعني للحديث مع غريب في مقياس الزمن
عن مشاكلي وهمومي
لماذا ننساب بسرعة للتواصل مع هذه الشخصيات ونشعر بالأمن في عالمها؟
لقد مرت بعدها سنوات طويلة عرفنا خلقا كثيرا من الأخيار والصالحين والدعاة والمربين والعلماء وانتفعنا بهم
وفي كل اللحظات تبقى سياجات تفصلنا عنهم
سياجات على ضفتنا أو ضفتهم
حزام من الوحشة نطوق به أنفسنا أو يطوقون به أنفسهم..
وعودة إلى صاحبنا نتلمس السر هناك
وأراه والله أعلم
أنه كان رجلا يشبهنا مثلنا
مثل مشاعرنا وآلامنا وأشواقنا
لم يكن يصطنع مشاعر تليق بمكانته الدعوية أو الاجتماعية
بل يتشبث بهذا الشبه بنا
ربما يمسك به عفوا من غير كلفة
لكنه ظل كذلك رافضا لأي خيوط تنسج حوله
كبرنا…ونسينا درس الداعية الذي يشبهنا
وتوهمنا أن يجب أن تكون مختلفين
ولو لم يكن الاختلاف مبررا ولا حاجيا
وتأثرنا بصور آخرين لهم عالم خاص
واستهوتنا رمزيتهم الاجتماعية وشرعنا في بناء الحيطان حول حياتنا
وقلنا بلسان حالنا
لسنا سوى هذا الصورة الذي ترونها في المسجد والدرس والمنبر
لكن الحقيقة لم تكن كذلك
كما علمنا الداعية الذي يشبهنا
لقد نسينا أن أهم أسرار تأثيرنا في الناس
أننا نشبههم أننا مثلهم
لنا أطماع وأشواق
وأننا نتعثر ونخفق
ونثور ونغضب ونكون حمقى في مواضع كثيرة
ونحزن ونبكي كالأطفال ونضعف وننهار
ليس هذا عيبا بل هو سرنا للتفاعل معا للتقارب والتراحم والأنس
التميز ينتزعنا
يلقي بنا خلف أسوار الحياة
امتن الله على أمة محمد بقوله سبحانه
{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ……}
وقال تعالى:
{قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ….}
قال عبد الله بن عباس: علَّم اللهُ رسولَه التواضعَ لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يُقِرَّ فيقول: إني آدمي مثلكم، إلا أني خُصِصْت بالوحي.
نفقد ذواتنا حين نمتاز عن الخلق وليس حين نشبههم
كما نحب الذي يشبهوننا
يحب الناس من يشبههم
الشبه معنى عميق هو الصدق نفسه
الداعية الذي يشبهنا
أبقى على روحه مثلنا
لأنه لم يتطلع يوما أن يكون غيرنا…
البشر في مدار واحد في الحياة يلتقطون الذبذبات من نفس المدار
حين تغير المدار ينقطع الاتصال….
(إنما أنا بشر مثلكم)
الكفاح للحفاظ على هذا التماثل رحلة صعبة لا يطيقها إلا داعية يشبهنا.
وليس في التاريخ قصة نجح إنسان رغم كل أسباب العظمة في الاحتفاظ بها
كقصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
سيرته تختصر المعنى الذي أردت بيانه.
حياته المفتوحة للعالم بكل تفاصيلها كانت مقصودة لترسيخ معنى
(إنما أنا بشر مثلكم)
لا شيء خلف الحيطان والستر
Source link