منذ حوالي ساعة
إن هذا الهوس بأن نكون على صواب دائما.. يستهلك طاقتنا، ويوقعنا في رذيلة الرضا عن النفس، ويعوقنا عن تطوير جوانب النقص في تفكيرنا وما أكثرها.. لذا أرى أنه رذيلة مسكوت عنها، نمارسها باستمتاع وغباء.
من الرذائل التي أحاول التخفف منها والتقليل من الوقوع فيها (رذيلة الصواب الدائم) ..
انتابتني يقظة روحية في اجتماع للجنة – كنت عضوا فيها- كان من مهامها استشراف مستقبل بعض الأمور، عندما اكتشفت في كل اجتماع من بعض زملائي عبارات من قبيل: (ألم أقل لكم؟ حدثت الأمور كما أخبرتكم) أو (كما توقعت كانت النتائج جيدة ..) إلى غير ذلك من الصياغات التي تؤكد أنه على صواب، وتوقعاته صحيحة، ووقتها أحاول تذكر كلام الزميل : لم يكن توقعا كان يثير عدة احتمالات، مثله مثل الآخرين، ولم يكن مرجحا لأي توقع، إنما أحد الاحتمالات تحقق، فأي فضيلة في أن تدعي الصواب، وكلامك وقتها يدور في حيز الممكنات المحتملة، والسيناريوهات المتوقعة..
ونحو ذلك من يقول: من المحتمل أن العقارات تنخفض، ومن الممكن أن تبقى كما هي، ومن غير المستبعد أن ترتفع..
فيحدث بعد سنة أن تزيد العقارات؛ فيرفع عقيرته: أرأيتم حدث ما قلته لكم.. وتجده بالمناسبة لم يستثمر هذا التوقع بل كان خائفا مترددا، ولا يدري ماذا سيحدث، لكن هذه الرذيلة ملازمة له.
والطريف أن المولعين بهذه الرذيلة؛ لم يجروا في حياتهم دراسة لتوقعاتهم الفاشلة وتنبؤاتهم الباطلة.. كل همهم أن يؤكدوا للآخرين أنهم أصحاب رؤية مستقبلية، وأنهم على صواب دائما، ولا يخطئون..وهم عمليا كما أسلفنا لم ينتفعوا بشيء من توقعاتهم الخنفشارية وليس لديهم الجرأة ليعترفوا بأخطاء تنبؤاتهم ..
إن هذا الهوس بأن نكون على صواب دائما.. يستهلك طاقتنا، ويوقعنا في رذيلة الرضا عن النفس، ويعوقنا عن تطوير جوانب النقص في تفكيرنا وما أكثرها.. لذا أرى أنه رذيلة مسكوت عنها، نمارسها باستمتاع وغباء.
وبعد أن أدركت هذه الرذيلة.. اكتشفت أنني أقع فيها لاشعوريا.. فاستيقظت من غفلتي وقررت بيني وبين نفسي ألا أتبجح بصدق توقعاتي وأن أتواضع ..فأكثر الناس يقعون في هذه الرذيلة وأنا منهم، ولعل من أشهر من يقع فيها (محللو الإعلام)، فأكثرهم لا يفهم شيئا في دراسة المستقبليات ومن شدة غفلته لا يفهم أنه لا يفهم !
تخلصوا من رذيلة (الصواب الدائم) وتواضعوا!
واعتنوا بتوقعاتكم الفاشلة، وتعمقوا في أسباب فشلها، فهذا ما يزيدكم فهما وحكمة.
وفي وقت آخر – إن شاء الله – سأحدثكم عن الفرق بين التوقعات والرغبات.
خالد بن منصور الدريس
أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي
Source link