مجالسُ الذكر.. أنفاسُ السكينة في أروقة الدور

اعلم أنّ من أعظم ما تُزيّن به منزلك، وتُعمّر به دارك، وتستجلب به الخير والبركة، وتدفع به غوائل الشياطين ووساوس الهوى؛ مجالسُ الذكر، ولو قلّت مدّتها، وقصرت أنفاسها، فإن أثرها عظيم، وخيرها موصول.

يا صاحِبَ البيتِ، ويا راعيَ الذرية، ويا من تُفتّش عن السكينة بين جدران دارك:
اعلم أنّ من أعظم ما تُزيّن به منزلك، وتُعمّر به دارك، وتستجلب به الخير والبركة، وتدفع به غوائل الشياطين ووساوس الهوى؛ مجالسُ الذكر، ولو قلّت مدّتها، وقصرت أنفاسها، فإن أثرها عظيم، وخيرها موصول.

تلك المجالس اليسيرة، التي تنعقد فيها الأرواح على ذِكر الله، وتسمو فيها القلوب على مشاغل الدنيا، لها في صلاح الأبناء أثرٌ كأثر الغيث في الأرض الميتة، تُحيي ما مات من النفوس، وتُنبت الزرع الطيب في القلوب الغضّة، وتُحبّب إليهم الإيمان، وتُزيّنه في قلوبهم، وتكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وتجعلهم بإذن الله من الراشدين. 

هي بذور صلاح تُلقى في قلوب الأبناء، فتورق ـ بإذن الله ـ هدايةً، وتزهرُ استقامة.
نعم، هكذا تُعمَّر البيوت.. وهكذا يُربّى الأبناء في ظلال الذِّكر.. حيث تُولد السكينة وتَغفو الشياطين.

أما سمعت قول المصطفى ﷺ:
«إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم. فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا» ؟

وقال ﷺ: «لا يقعد قومٌ يذكرون الله، إلا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده».

وهل إذا حضرت الملائكة، إلا حضرت معها البركات؟
وهل إذا حفت البيت إلا ملأته سكينةً ورحمة؟
وهل إذا أقبلت إلا أدبرت الشياطين، وهي جنود الفتنة والتفريق، ومصدر الشر والفوضى؟

وما أكثرَ ما عاثت به الشياطين في البيوت فسادًا! وما أشدّ ما خبّبت بين الأزواج، وفرّقت بين الإخوان، وأغرت القلوب على قطيعة الرحم، وزيّنت المعاصي، وهتكت الحرمات، وأذهبت البركة من المعيشة والعمر!

ومجالس الذكر ـ يا أخا القلب ـ هي تلك اللحظات التي يُتلى فيها القرآن، ولو آياتٍ معدودات، مع تفسير يسير، أو تُقرأ فيها أحاديث المصطفى ﷺ، أو يُتدارس فيها كتاب نافع، أو يُشرك الأبناء في سؤال وجواب من مسائل الدين، تُرفع فيها القلوب إلى السماء، وتتهجد الأرواح في محراب المعرفة، وتغدو البيوت بها أنوارًا في الأرض، تضيء بالملائكة، وتغبطها أرواح المؤمنين.

والله، ثم والله، لو علم الآباء ما في هذه المجالس من التربية، وما فيها من التزكية، وما تُورثه من السكينة، لجعلوها ركناً ركيناً في منازلهم، لا يتزحزح، ولما أفلتت شمس يوم إلا ولهم فيها جلسة، يحيون بها قلوب أبنائهم، ويطبعون فيها محبة الذكر في نفوسهم، ويعوّدونهم الحديث عن الله ورسوله ﷺ، ليأنسوا بذلك كما يأنسون بالماء والهواء، بدلًا من لهو الأجهزة، ولغو الشاشات، وضياع الأعمار في الفارغ.

ويا أيها الحبيب، إن أردت لأبنائك الثبات على الدين، وإن رغبت في صلاح الذرية؛ فالزم مجالس الذكر، واجعل بيتك بيتَ قرآن وبيتَ دعاء وبيتَ علم، فإن الشيطان يفر من بيت يُذكر فيه الله، وتأنس فيه الملائكة.

ولكن، إيّاك وما يمنع من دخول ملائكة البركة والرحمة، فإن النبي ﷺ قد قال:
«لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة».
وقال الإمام السفاريني في غذاء الألباب (٢٤٥/١): المراد بالملائكة الذين لا يدخلون بيتًا فيه كلب ولا صورة: ملائكة الرحمة والبركة. 

فيا من يريد زراعة الخير في أبنائه: اطرد الصور، وأبعد الكلاب، وطهّر بيتك من كل مانع، ثم أقم مجلسك، واخلص نيتك، وادعُ الله في ختام مجلسك بدعاء عباد الرحمن المحبين الصادقين: {رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا}.

فإن صدقت النية، وداومت على مجالس الذكر، ورفعت يديك إلى السماء؛ بورك لك في أهلك، وجعل الله بيتك مأوى سكينة، ومهبط رحمة، محفوفًا بالملائكة ومصنعًا يُصاغ فيه الصلاح جيلاً بعد جيل.

_________________________________

المصدر: قناة الداعية طلال الحسان


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خواطر بلا صخب – طريق الإسلام

التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تُبنى حين تنهار، بل حين تعيد تعريف نفسها أمام تلك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *