حين يتأمل العبد حاله، ويطيل النظر في نفسه، يدرك أنه كائن ضعيف من كل وجه، وأنه في كل يوم يواجه صورًا شتى من العجز..
حين يتأمل العبد حاله، ويطيل النظر في نفسه، يدرك أنه كائن ضعيف من كل وجه، وأنه في كل يوم يواجه صورًا شتى من العجز، عجز الجسد، وعجز الروح، وعجز الإرادة، وعجز الفهم، وعجز الثبات، حتى يغدو ضعفه صفة لازمة لا ينفك عنها.
لكن العجب كل العجب أن الله سبحانه لم يجعل الضعف سببًا للخذلان، بل جعله بابًا إلى رحمته، وسبيلًا إلى عونه، ودليلًا على فضله.
وحين يتقلب الإنسان في مجاهيل الحياة، تصفعه العثرات، وتُثقله الهموم، تتبدّى له حقيقة لا مراء فيها: نحن ضعفاء! ولكن هذا الضعف لم يكن عيبًا، ولم يكن عارًا، بل كان أحد أقدار الله الجارية فينا، به تتعلق قلوبنا به، ومن خلاله نطرق بابه، ونستنزل رحماته.
في كل منا وجهٌ من وجوه الضعف، بعضنا يجر جسدًا واهنًا لا يقوى على ما يشتهي، وبعضنا يسكن قلبه خوفٌ يزلزله كل حين، وبعضنا تذبل إرادته كلما حاول النهوض، وبعضنا يثقله دَين، وبعضنا ترديه الذنوب فيغرق في دوامةٍ من لوعة الذنب ورجاء العفو.
لكن هل كان الله يترك عباده في ضعفهم؟! بل كانت رحمته تطوّقهم، تتلمس حاجاتهم، وتلطف بهم من حيث لا يحتسبون!
“يريد الله أن يخفف عنكم وخُلق الإنسان ضعيفًا”
لم يكن الضعف إلا مدخلًا إلى التخفيف، ولم يكن إلا سببًا للرحمة، فطوبى لمن جعل ضعفه بابًا يلج به إلى الله، لا جدارًا يحول بينه وبين الكريم سبحانه!
إن كنتَ ضعيفًا، فتذكر أن الله قريب، قريب لمن كسرتهم الدنيا، قريب لمن أعيتهم خطاياهم، قريب لمن فاضت عيونهم أسًى على ما كان، قريب لمن لم يجد في الناس سندًا، قريب لمن خفت صوته بين الضجيج، قريبٌ.. لمن لجأ إليه!
ولذلك، كان قربك من المتعبين، وسندك للمنهكين، ومد يدك للضعفاء، إنما هو وجه من وجوه العبودية التي يحبها الله، وهو نور في روحك يكشف لك عن سرٍّ عظيم:
الله يحب الضعفاء.. فانحز إليهم!
Source link