القرآن – يا صاحبي – لا ينتظر أن تُسمّي وجعك، هو يعرفه قبلك، ويُلامسه فيك قبل أن تُدركه، يكشف موضع الكسر، ويضع عليه بلسم الرحمة، ويأخذ بيدك من حيرة التعب، إلى يقين الطمأنينة
ليس دائمًا ما يكون الخلل واضحًا، ولا التعب مسمّى، كثيرون يعيشون شعورًا باهتًا لا يُوصف: همةٌ تتناقص، روحٌ تبهت، عزيمةٌ تتآكل من الداخل، والكل يتابع الحياة كأن شيئًا لم يحدث، لكن في أعماقهم شيءٌ ما ليس على ما يرام، تجدهم أحرص ما يكونون على التقييم والمراجعة، يتحدثون عن مشاريع مؤجلة، وهمم منطفئة، وخطط قرائية لا تكتمل، وفتورٍ في الطاعة، وغيابٍ عن كتاب الله، لكنك – وأنت تستمع إليهم – تُدرك أن ثمة أمرًا ما لا يزال غائبًا، وعن شعورٍ غامض بالتّيه، لا تجد له اسماً، ولا عنوانًا، كأنّ الشكوى جاءت كاملة في ظاهرها، لكنها ناقصة في جوهرها.
وحين تسألهم: ما الخلل؟ يصمتون، لا لأنهم يخفونه، بل لأنهم يجهلونه، كأنّ هناك ثقلًا غير مرئي، أو خللًا لا يُصاغ، أو وجعًا لا تلتقطه اللغة، ذلك الألم الذي يسكن في الروح، ويعجز العقل عن وصفه ورسمه.
وهنا تكمن أزمة هذا الجيل، أننا نُجيد التعرّف على الأمراض الجسدية بسهولة: صداعٌ، إرهاقٌ، حرارة، اضطراب نوم، لكنّ الأوجاع التي تُصيب الروح، قد تبقى تئنّ طويلًا في الداخل، ونحن نظن أنها من تغير الطقس أو ضغط المهام، أو تقلب المزاج، بينما هي في حقيقتها: روحٌ جفّت من البُعد عن المصدر، وعقلٌ تاه عن قبلة الفهم، وقلبٌ لم تُسكبه آيات القرآن منذ زمن.
وهنا، يكون أول الدواء، وأصدق البدايات: أن يعود الإنسان إلى القرآن لا كقارئ، بل كمريض، أن يقرأه لا ليُتمّ وردًا، بل ليُطبّب قلبًا قد أعيته الجراح التي لا تُرى، ويُداوي كسورًا لا يعرف حتى أسماءها.
اسأل نفسك بصدق: متى كانت آخر مرة قرأت فيها القرآن بنية الاستشفاء؟ وقلت“يا رب، هذا قلبي مريض، فاشفِه.”
القرآن – يا صاحبي – لا ينتظر أن تُسمّي وجعك، هو يعرفه قبلك، ويُلامسه فيك قبل أن تُدركه، يكشف موضع الكسر، ويضع عليه بلسم الرحمة، ويأخذ بيدك من حيرة التعب، إلى يقين الطمأنينة، تلك الآيات التي مررتَ بها مئة مرة، قد تراها للمرة الأولى حين تقرأها بقلبٍ موجوع، وحينها فقط، تُشفى من أمراضٍ لم تعلم أنك كنت تشتكيها.
فالقرآن لا يُصلح ما تعرف فقط، بل يُصلح ما لا تدري أنه معطوب.
Source link