وهجُ العقل من زيت عقول الرجال

ما أشبه العقل في حياة الإنسان بمصباح الزيت! لا يضيء إلا بقدر ما يُملأ، ولا يكون له نور على الناس إلا بقدر ما أُشعل فيه من معارف العلماء وتجارب العقول.

ما أشبه العقل في حياة الإنسان بمصباح الزيت! لا يضيء إلا بقدر ما يُملأ، ولا يكون له نور على الناس إلا بقدر ما أُشعل فيه من معارف العلماء وتجارب العقول.

وما أضيقَ عمرَ الإنسانِ إذا لم تُزهر فيه الأفكار الطيبة، ولم تثمر فيه العلوم النافعة! وما أضيعَ سنيَّ الحياةِ إذا مضت في لَغْوِ الحديثِ وزينة الحياة الدنيا، ولم تُغرسْ في أرضها بذور العلم والمعرفة من نبعِ التأمل والتعلّم والتجربة. 

ألا وإنّ من بليغ الحكمة أن تدرك أن أعمار العلماء ليست لهم وحدهم، بل هي لمن عقل عنهم، وأحسن الانتفاع بهم، واستثمر عقولهم وما كتبوه من علوم ومعارف سلخوا فيها أعمارهم ليضيفها إلى عقله، ويزيد بها عمره العلمي، فإنك أيها الطالب، قد تقرأ في يومٍ ما خطّه مؤلفٌ في سنوات، فتنقلب هذه الدقائق التي قرأت فيها، إلى سنين تضاف إلى عمرك العقلي، وتُحسب لك في ميزان الحياة، وتختصر بهذه الكتب مسافات العمر. 

وما أكثر ما يمضي العالم أو المؤلّف دهرًا من عمره، يقرأ المؤلفات ويستقرئ المطولات، ويغوص في لجج الفكر، ثم يخرج لك بلُبابٍ صافٍ، وشهد مصفّى، يضعه بين يديك كأنما يضع كنزًا على مائدة من ذهب. فهل من العقل أن تترك هذا الكنز وتفرّط به؟ 

نعم، ففي كتبِ العلماء وأسفار المؤلفين ونتاج الباحثين أعمار مبذولة، وأقدام مشققة، وساعات وُصِل فيها سواد الليل ببياض النهار، وأيام من السفرِ نُسجت على نَولِ الصبر والمشقة، ثم ها هي ذي بين يديك، قد نُسجت خلاصاتُها في سطورٍ، فهلّا ضممتَها إلى عقلك، وجعلتَها مِفتاحًا يفتح لك أبوابًا لم تكن لتُفتح بعُمرك وحده. 

فاحرص -رحمك الله- أن تُضاعف عمرك العلمي بعلم العلماء، وأن تزيد على عقلك عقولهم، فزادُ العقول من تجارب الرجال،  والعمر وإن طال؛ أقصر من أن يجرب كل شيء بنفسه، فالعمرُ لا يكفي، ولكن القراءة تَكفيه. 
فمن تمام العقل أن تقرأ، لا لتزيد علمك فحسب، بل لتختصر على نفسك المسافات، وتُبصر المواضع التي سلكها غيرك وتسلكها بأقدامهم، فاعقل هذا، تكن ممن عمره يَسَعُ عمرَ أمة، وعقله يسير بأقدام العلماء، فبمثل هذه القراءات يطول العمر من غير زيادة في السنين. 

أجل، إن الحصيفَ اللبيب لا يمرُّ بعقلٍ إلا استوقفه، ولا يقرأ كتابًا إلا سأل نفسَه: كيف أُضيف هذا إلى عقلي؟ فالعمرُ مهما امتدّ، أقصرُ من أن تُجْرِب فيه كلَّ ما جُرّب، وتجوس فيه خلال الديار، ومن قرأ بعقل غيره؛ فاز بضعف عمره، واستنار عقله بخلاصات العلماء. 

فاجعل أيها القارئ، من كل ساعة علمٍ تسرقها من لهوك، عُمْرًا مضافًا إلى عمرك، ومن كل كتابٍ تقرؤه، عقلًا آخر يُضاف إلى عقلك، فإنما أنت بجمعك للعقول، تُوسّع مداركك، وتُضاعف أنفاسك في ميدان المعرفة. 
ويا لها من ساعات من ذهب، وأعمار تُشترى بلا ثمن. ولقد أعجبني مارون عبود، وهو ينثر الحكمة بين سطور بيانه، حين قال: “إن ساعةً تنتزع كلَّ يومٍ من ساعاتِ اللهو، وتُستعمل بما يفيد، تُمكِّن كلَّ امرئٍ ذي مقدرةٍ عقلية أن يتضلع من علمٍ بتمامه”.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الجيش الصهيوني قتل 238 صحفياً فلسطينياً منذ 7 اكتوبر

أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، يوم الاثنين، عن ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *