الكهان الجدد – طريق الإسلام

وفي هذا العصر؛ تلبَّست الكهانة بأقنعةٍ جديدة، وأسماءٍ عديدة! كالعلومِ النورانية، والطاقةِ الخفيِّة، وتحليلِ الشخصية: مِنْ خلال معرفة الاسم، أو اللون المفضّل، أو طريقة الكتابة، أو قراءة الأبراج

أَمَّا بعد: الرغبةُ في معرفة المجهول، أمرٌ يُثِيرُ الفُضُول، وقد يُغَطِّي على العقول! فَتَنْسَاقُ إلى الكُهَّان والعَرَّافين، مِمَّن يَدَّعُون الغيب! 

وعلمُ الغيب مِمَّا استأثر اللهُ به، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}

وَمِنْ هُنَا؛ ينبغي الحذر مِنَ الكُهَّان والعرَّافين، الذين يدَّعون الغيب بِوَسِيلَةٍ لا تَثْبُتُ حِسَّاً ولا عقلاً ولا شرعاً: كالتنجيمِ[1]، والخطِّ على الرمْل، وقراءةِ الكف والفنجان، ونحوِ ذلك[2].

والذاهبُ إلى هؤلاء الكهان والعَرَّافين؛ على قسمين:

القسم الأول: أَنْ يذهبَ إليهم ويسألَهم مِنْ غير تصديق؛ وإنما مِنْ باب الفضول والتسلية! وهذا كبيرة مِنْ كبائر الذنوب؛ لقوله ﷺ: «من أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»[3].

القسم الثاني: أَنْ يذهبَ إليهم ويسألَهم ويصدَّقَهم؛ وهذا تكذيبٌ للقرآن! قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ؛ وقال ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ»[4].

وأما صِدْقُ الكُهَّان –أحياناً- في تَنَبُّؤاتِهم: فإنّه يكون مِنْ باب موافقة القدَر، أو يكون من الجِنِّ الذي يسترقُ السمع، ويَكْذِبُ معها مائةَ كذبة! فقد سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عن الكُهَّان، فقال: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ» فقالوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا)، فقال ﷺ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ!»[5].

وفي هذا العصر؛ تلبَّست الكهانة بأقنعةٍ جديدة، وأسماءٍ عديدة! كالعلومِ النورانية، والطاقةِ الخفيِّة، وتحليلِ الشخصية: مِنْ خلال معرفة الاسم، أو اللون المفضّل، أو طريقة الكتابة، أو قراءة الأبراج[6].

ومِنَ الكُهَّان الجُدُد: الذين يزعمون أن نهايةَ العالم ستكون في وقت كذا وكذا!  وقد قال جبريلُ للنبي ﷺ: «فأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟» فقال: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»، وإذا كان أشرفُ الملائكة، وأشرفُ الرسلِ؛ لا يعلمانِ متى الساعة؛ فكيف بغيرهم[7]! {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} .

 

نبغي على المسلم في تعامله مع المجهول، والمستقبل المأمول: أنْ يتوكّلَ على الله، مع الأَخْذِ بالأسباب المشروعة والمباحة[8]، وأنْ يَحْذَرَ مِنْ هؤلاء الكهان؛ ولو تَلَبَّسُوا بِلِبَاس العلم والدِّين والطب! قالت عائشة: (مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}.

وأما العلومُ التي تُدْرَكُ بالحساب والعلم والتجربة؛ فإنَّ الإِخبارَ عنها ولو كانت في المستقبل: لا يُعْتَبَرُ مِنْ عِلْمِ الغيب، ولا مِنَ الكهانة: كمعرفةِ أحوالِ الطقس، ووقتِ الكسوف والخسوف، ومعرفةِ جنس الجنين، والقيافة، والفراسة، ونحوِها من الأمور التي تُدْرَكُ بالحِسِّ والعلم والتجربة؛ لا بالظَنِّ والوَهْم، أو الرَّجمِ بالغيب، أو الاستعانةِ بالشياطين!

اللهمَّ فَقِّهْنَا في الدين، واحفظنا مِنْ شَرِّ الكُهَّانِ والعَرَّافين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

 


[1] التنجيم: هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية. انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، باب ما جاء في التنجيم، صالح آل الشيخ.

[2] وهذه الوسائل لا يحصل بها العلم، و إنما هي لخداع الناس والتلبُّس بلباس العلم! انظر: المصدر السابق، باب ما جاء في الكهان ونحوهم.

[3] ونفي القبول هنا؛ لا يلزم منه نفي الصحة وبطلان الصلاة ؛ وإنما المراد نفي الثواب أو القبول التام.

[4] قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: (مَنْ أتى عرَّافاً فسأله: لم تُقْبَل له صلاة أربعين ليلة، فإنْ صَدَّقَه: فقد كفر!) فتاوى اللجنة الدائمة (1/621).

 

[5] قَالَ الْخَطَّابِيُّ: (بَيَّنَ ﷺ أَنَّ إِصَابَةَ الْكَاهِنِ أَحْيَانًا إِنَّمَا هِيَ لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَسْمَعُهَا اسْتِرَاقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَكَاذِيبَ يَقِيسُهَا عَلَى مَا سَمِعَ، فَرُبمَا أصَاب نَادراً وخطؤه الْغَالِبُ) فتح الباري، ابن حجر (10/22).

[6] أي: من وُلِدَ في برج كذا؛ فسيحدُثُ له كذا!

[7] انظر: شرح العقيدة الواسطية، ابن عثيمين (194).

[8] والشرع قد وجَّهَنا في معرفة المجهول بتوجيهات عامة، منها: الحكم على الظواهر بالقرائن الظاهرة، وترك السرائر إلى الله، بالإضافة إلى صلاة الاستخارة والاستشارة، مع فعل الأسباب المباحة. انظر: مقال (تحليل الشخصية عبر الخط والتوقيع)،  د. فوز كردي، موقع (alfowz.com).

[9] القول المفيد، ابن عثيمين  (1/531-532).


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أبناؤنا مع الصلاة

مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِبِ، وَأَجْزَلِ الْمَكَاسِبِ هُوَ صَلاَحُ الأَوْلاَدِ، وَاسْتِقَامَتُهُمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ؛ وَخُصُوصًا فِي أَعْظَمِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *