يحبُّ أسماءَه وصفاتِه، ويحبُّ المتعبدين له بها، ويحب من يسأله بها ويدعوه بها، ويحب من يعرفها ويعقلها، ويثني عليه بها، ويحمده ويمدحه بها
وإنَّه سبحانه لا يعاقب أحدًا بغير فعله، ولا يعاقبه على فعل غيره، ولا يعاقبه بترك ما لا يقدِر على فعله، ولا على فعل ما لا قدرةَ له على تركه.
وإنَّهُ سبحانه حليم كريم جواد ماجد محسن ودود صبور شكور، يُطاع فيشكر، ويُعصَى فيغفِر. لا أحدَ أصبرُ على أذى سمعه منه، ولا أحبُّ إليه المدحُ منه، ولا أحب إليه العذرُ منه. ولا أحدَ أحبُّ إليه الإحسانُ منه، فهو محسن يحب المحسنين، شكورٌ يحب الشاكرين.
جميلٌ يحب الجمال، طيِّبٌ يحب كلَّ طيب، نظيفٌ يحب النظافة، عليمٌ يحب العلماء من عباده، كريمٌ يحب الكرماء، قويٌّ والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، برٌّ يحب الأبرار، عدلٌ يحب أهل العدل، حييٌّ سِتِّيرٌ يحب أهل الحياء والستر، عفوٌّ غفورٌ يحب مَن يعفو عن عباده ويغفر لهم، صادقٌ يحب الصادقين، رفيقٌ يحب الرفق، جوادٌ يحب الجود وأهله، رحيمٌ يحب الرحماء، وترٌ يحب الوتر.
يحبُّ أسماءَه وصفاتِه، ويحبُّ المتعبدين له بها، ويحب من يسأله بها ويدعوه بها، ويحب من يعرفها ويعقلها، ويثني عليه بها، ويحمده ويمدحه بها، كما في الصحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: «لا أحد أحبُّ إليه المدحُ من اللَّه، من أجلِ ذلك أثنى على نفسه». ولا أحدَ أغيرُ من اللَّه، من أجلِ ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحدَ أحب إليه العذرُ من اللَّهِ، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشِّرين ومنذرين” .
وفي حديثٍ آخر صحيح: «لا أحدَ أصبرُ على أذى يسمعُه من اللَّه، يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم».
ولمحبته لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإحسان والبر والعفو والجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأناة والتثبت.
ولمَّا كان سبحانه يحب أسماءَه وصفاته كان أحب خلقه إليه من اتصف بالصفات التي يحبها، وأبغضهم إليه من اتصفَ بالصفاتِ التي يكرهها. فإنَّما أبغضَ من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأنَّ اتصافه بها ظلم، إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروجِ من اتَّصف بها من رِبقة العبودية، ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعدّيه طورَه وحدّه. وهذا بخلافِ ما تقدم من الصفات كالعلمِ والعدلِ والرحمة والإحسان والصبر والشكر، فإنَّها لا تنافي العبودية، بل اتصافُ العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعدَّ طورَه ولم يخرج بها من دائرة العبودية.
والمقصود أنَّه سبحانه لكمال أسمائه وصفاته موصوفٌ بكلِّ صفة كمال، منزَّهٌ عن كلِّ نقص، له كلُّ ثناءٍ حسن، ولا يصدر عنه إلا كلُّ فعلٍ جميل، ولا يُسمَّى إلا بأحسن الأسماءِ، ولا يُثنَى عليه إلا بأكمل الثناءِ. وهو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كلِّ ما خلقه وقدَّره ، وعلى كلِّ ما أمر به وشرعه.
_____________________________________
ابن القيم | طريق الهجرتين
Source link