أمة النحل مثال لضرورة السعي مع حسن الظن بالله – محمد سيد حسين عبد الواحد

العنصر الأول : ضمان الرزق بشرط السعي .
العنصر الثاني: السعي لتحصيل الرزق صورة من صور العبادة .
العنصر الثالث: النحلة أطيب ما خلق الله وكذلك المؤمن .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

العناصر الأساسية:
العنصر الأول : ضمان الرزق بشرط السعي .
العنصر الثاني: السعي لتحصيل الرزق صورة من صور العبادة .
العنصر الثالث: النحلة أطيب ما خلق الله وكذلك المؤمن .
الموضوع :
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى: {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} [سورة الجمعة] .

أيها الإخوة الكرام : رد في الصحيح من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ- قالَ:   «” إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ “»

أيها الإخوة الكرام : هذا الحديث ماذا نفهم منه ؟
هذا الحديث نفهم منه الكثير لديننا ودنيانا ، ومن بين ما ورد في الحديث أن الله تعالى ضمن لكل إنسان رزقه وهو في بطن أمه ، هذا الرزق لا يفوت الإنسانَ منه شيء ، ولا يفوت الإنسانُ ُمن رزقه شيئا ، ولا يمنع الرزق عن الإنسان أحد قال عليه الصلاة والسلام : «” ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ “»

هذا الذي نعتقد فيه ونؤمن به (أن الأرزاق بيد الله تعالى لا يمنعها عنك أحد ) قال الرزاق ذو القوة المتين {{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}}

لكن الله تعالى اشترط على الإنسان حتى يتحصل على رزقه ، أن يتحصل عليه لالعمل والسعي والصبر وطول النفس ..

{{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}} [سورة الملك] .

أيها المؤمنون : كما لا يحيط أحد بعلم الله تعالى لا يحيط أحد بحكمة الله عز وجل فلحكمة  إلهية ربط الله تعالى بين حيازة الرزق وبين السعي إليه ..

{{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}}

عند تفسير هذه الآية وأمثالها يحضر حديث النبي عليه الصلاة والسلام : «” لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا » “. 

تَغْدُو الطير خِمَاصًا : أي تخرج من أعشاشها لطلب أرزاقها مع طلوع الفجر جائعة ليس في حواصلها شيء ..

وَتَرُوحُ الطير بِطَانًا : أي ترجع آخر النهار بعد السعي والحركة وقد امتلأت حواصلها من رزق الله سبحانه وتعالى ..

قلت : وسعي الطير وحسن ظنها بربها هو عين التوكل على الله تعالى ..

  «” لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا “» . 

من كرم الله تعالى : 
أنه لم يجعل السعي على الرزق فقط سبب الحصول عليه ، بل إن الله تعالى جعل سعي الإنسان على رزقه ، ورزق أبويه ، ورزق زوجه وولده ، صورة من صور العبادة تؤجر عليها عظيم الأجر من الله تعالى فلا يفوتك هذا المعنى ..

في آخر آية من سورة المزمل جمع الله تعالى بين سعي الإنسان على رزقه وبين الجهاد في سبيل الله تعالى فقال : {{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } }
يقولُ الإمامُ القرطبيُّ : “سوَّى اللهُ تعالَي في هذه الآيةِ بينَ درجةِ المجاهدينَ في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وبين الذين يضربون في الأرض سعيا لكسب المالَ الحلالَ، فكانَ هذا دليلًا على أنّ السعي لكسبَ المالِ الحلال بمنزلةِ الجهادِ في سبيل الله  لأنَّهُ الله تعالى جمعهما معا ..

شرح رسول الله هذا المعنى كما ورد في الحديث عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال:  «مرَّ على النَّبيِّ ﷺ رجلٌ فرأَى أصحابَ رسولِ اللهِ ﷺ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ ؟! فقال رسولُ اللهِ ﷺ إن كان خرج يسعَى على ولَدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ ، وإن كان خرج يسعَى على أبويه شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ ، وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعَفُّها فهو في سبيلِ اللهِ »  .

ونحن اليوم نتحدث عن ضرورة السعي وعن قيمة العمل لن نضرب مثالا بسيدنا آدم عليه السلام وقد كان يعمل مزارعا 
ولا بسيدنا إدريس وقد كان يعمل خياطا
ولا بسيدنا نوح وقد كان يعمل نجارا 
ولا بسيدنا ابراهيم وقد كان يعمل مزارعا 
ولا بسيدنا داود وقد كان ملكا يعمل حدادا 
ولا بسيدنا سليمان وقد كان ملكا يرعى غنما
ولا نضرب المثال بسيدنا محمد وقد كان يعمل تاجرا ..

إنما نضرب المثال بأمة من الأمم التي تشبهنا وهي أمة النحل ، ولعل السبب في هذا هو  أن رسول الله شبهنا بأمة النحل فقال النبي عليه الصلاة والسلام «“وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تكْسرْ وَلَمْ تَفْسدْ “»
ونحن نتحدث عن ضرورة السعي والعمل ، وعن ضرورة إتقان العمل نضرب المثال بأمة النحل لأنها أمة كأمتنا ولأنها أكثر أمم الأرض حركة وسعيا وإخلاصا وإتقانا للعمل ..
{{وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا }} [سورة النحل] .
ثم إن النحلة تأكل رزقها فقط ، ولا تطمع في رزق غيرها ، ولا تسلب ولا تنهب ولا تظلم غيرها ، ولا تعتدي على غيرها ، ولا تغصب حق غيرها ..وكأنها تعلم البشر أن يأكلوا من الحلال ..
 
قال لقمان الحكيم لابنه يومًا: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قــط إلا أصابه ثلاث خصــال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذه الخصــال استخفاف الناس به.

في سورة الأنعام قال الحكيم العليم سبحانه وتعالى 
{{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم }} [سورة الأنعام] .

لماذا نضرب المثال بأمة النحل ؟
لأن النحل أعلى أمم الأرض همة ..
لأن النحل أكثر الأمم إيجابية ومصداقية …
لأن النحل أكثر الأمم حركة وعملا وإتقانا ..
لأن النحل لا يضيع وقته ..
لا مكان في مجتمع النحل لعاطل ، ولا مكان في مجتمع النحل لكسول ، كل فرد من الأفراد يعمل عمله ..
قال الله تعالى {{وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }} [سورة النحل] .
 ليس في أمة النحل نحلة غشاشة ، ولا نحلة فاسدة ، ولا نحلة مرتشية ، ولا نحلة تتهرب من عملها ، ولا تقصر في عملها .
أمة النحل مثال الصدق والإخلاص والتفاني في العمل ..

في مجتمع النحل لا أجازات ، لا أعذار ، لا مجاملات ، لا نفاق ..
في أمة النحل حاكم ومحكوم ،وفيهم الحارس ، وفيهم الأعمال ، وفيهم المشرف على العمل ، يجمع بينهم أن الكل يعمل عمله ملكة النحل تعمل والشغالات يعملن ..

لهذا بقيت أمة النحل قائمة وعاشت من قديم الزمان وستبقى إلى ما شاء الله بسبب أنها تحسن التوكل على الله تعالى بجناحيه ..

الجناح الأول : الأخذ والأسباب في السعي والحركة والعمل بإخلاص ..
والنجاح الثاني : الاعتماد على الله سبحانه وتعالى..

نجاح الأمم وفلاحها ، وسر سعادتها وبقائها ، أن تتفهم سنن الله في خلقه وتعمل بها ..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا ، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث عن أمة النحل والتي جعل الله عز وجل منها مثالا للتوكل على الله تعالى وضرورة السعي وبذل الجهد في طلب الرزق .. بقي لنا أن نقول لماذا نضرب المثل بالنحلة ؟
والجواب : لأن النحلة أحد أطيب وأنظف ما خلق الله عز وجل ، لا تقف النحلة على جيفة ، ولا تأكل شيئا قذرا أبدا ، فهي نظيفة في نفسها ، طيبة في سلوكها ، حسنة في أخلاقها ، مخلصة في سعيها ..
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه المؤمن بالنحلة فقال عليه الصلاة والسلام  «(مَثَل المؤمن مَثَل النحلة، لا تأكُلُ إلا طيِّبًا، ولا تضَعُ إلا طيِّبًا)»

وفي رواية أخرى: «“وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تكْسرْ وَلَمْ تَفْسدْ “» (مسند الإمام أحمد بإسناد حسن).
قال ابن الأثير 
ووجه المشابهة بين المؤمن وبين النحلة ( ذكاء المؤمن وذكاء النحلة ، ثم كف الأذى فالنحلة غير مؤذية وكذلك المؤمن يكف عن الناس أذاه ، ثم إن المؤمن ينفع غيره وكذلك النحلة ما أخذت منها من شيء نفعك ( ينفعك عسلها ، ينفعك شمعها ، ينفعك غذاء الملكات ، ينفعك صمغ النحل ، حتى سم النحل يتداوى الناس به ) ما أخذت من النحلة شيئا إلا نفعك ..

ورد في الصحيح من حديث أَبِي سَعِيدٍ ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ. فَقَالَ : ” اسْقِهِ عَسَلًا “. ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ ما زال يشتكي ، قال : ” اسْقِهِ عَسَلًا “. ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ وما زال يشتكي. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : ” صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا “. فَسَقَاهُ فَبَرَأَ» .

 قلت :وكذلك المؤمن (ينفعك قوله وعلمه ونصحه وفعله وماله ، ما أخذت من المؤمن شيئا إلا نفعك )

 ثم إن المؤمن يخرج من بيته يسعى يطلب الرزق الحلال وكذلك النحلة تسعى وتعمل من غير أن تكسر عودا ومن غير أن تفيد شيئا ولا تأكل النحلة إلا طيبا وكذلك المؤمن يأكل تراباً ولا يأكل حراما ..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفتح لنا أبواب رحمته في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك و مولاه وهو على كل شيء قدير.
———————————-
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

ما قلَّ ودلّ (1151 -1200) ( 26 ) – أيمن الشعبان

كلمات وجيزة وعبارات قصيرة، من جوامع الكَلِم ونفائس الحِكَم؛ مما ” قلَّ ودلَّ ” من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *