(أن النفس إن تُركت لهواها تاهت ، وإن قيدت بالحزم سمت).
كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا سلّم من صلاته، أقبل على أذكاره إقبالا تامًا، يلهج بها لسانه، وتخشع لها جوارحه، ويغيب عمّا حوله حتى يـ يفرغ منها. وربما تقدّم إليه سائل أو زائر، فلا يجيبه حتى يتم ورده. وحين سُئل عن ذلك، تلا قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [سورة الكهف: آية ٢٨]: ثم قال : “على العبد أن يضبط أمره، ولا ينبغي أن يكون أمره فرطًا”. تلك اللحظة، وإن قصرت أملت على الدهر درسًا عظيمًا، مفاده:
(أن النفس إن تُركت لهواها تاهت ، وإن قيدت بالحزم سمت).
وهي تلخص لنا سرا من أسرار التوفيق الذي لازم الشيخ في حياته؛ والإنجاز الذي ورثه للأمة، وهو ضبط النفس والحزم معها.
فالنفس إذا لم تضبط ضاعت، وإن لم تُهذِّب فَسَدت، والحزم معها كالقيد للجواد: يحفظه من الجنوح، ويدفعه إلى الغاية، فالحزم معها هو قطب الرحى في تزكيتها وقيادتها إلى المعالي. فأقرب طريق إلى كل مأمول؛ أن تُحكم زمام نفسك؛ فتقوم بما يجب عليك في وقته، سواء
أحببت هذا الأمر أم لم تُحبّه، وتصدّها عن شهواتها إذا صادمت واجبًا أو عطلت مقصدًا. فحبس النفس على المراد، وكبح جماحها عن المألوف والمحبوب إذا كان يؤخر مسيرها،
سبيل إلى بلوغ المرام بإذن الله، وبه تُفتح أبواب النجاح، وتشرق شموس الإنجاز. وما أضر بالإنسان من أن يترك أمره فوضى؛ فالحازم من يُثبت هدفه أمام عينيه، ثم يبلغه من أقرب السبل وأقصدها، لا يحيد عنه ولا يلتفت إلى ما يصدّ عنه، فإذا ملكت قلبا يتجاوز عقبات العاطفة، ويُمسك بزمام شهواته في سبيل غايته، فهنيئا لك، وستلمح قريباً سحائب الإنجاز وهي تنهمر في أودية مشاريعك، وتثمر لك بساتين الأمل. وما أضرّ على المرء من أن يكون نهبًا لمزاجه ؛ فإن حُكْم المزاج على السلوك كحكم
الريح على السفينة إذا انقطع شراعها ، تجور بها الأمواج طورًا ولا تهتدي.
ومن جعل المزاج حاكمًا على السلوك، فلا تسل بعدها عن فتور العزائم واستسلام النفس للهــوى، إذ أن من أرخى للنفس العنان فقد أباح لها أن تعبث بحياته كما تعبث الأمواج بألواح الغريق، ولن يحصد إلا الخيبة.
وقد أحسن ميمون بن مهران إذ قال : “ما نال عبد شيئًا من جسيم الخير، من نبي أو غيره، إلا بالصبر. فمن ملك صبره، ملك زمام نفسه و من ملك زمام نفسه، ملك زمام دنياه وآخرته.
_____________________________________________________
د. طلال بن فواز الحسان
Source link