خالق الناس بخلق حسن – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

هذا بعض ما جاء في فضائل حسن الخلق، وهو زاد عظيم، وسهل لمن أراد أن يتزود به، ويزاحم بكتفه أكتاف الصحابة والتابعين.

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته».

 

فهذه الثلاثة القرون المفضَّلة في هذه الأمة: قرن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قرن التابعين، ثم قرن تابعي التابعين.

 

وهذه القرون خصَّها الله تعالى بأمورٍ؛ منها القرب من زمن الوحي، ومشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم، أو مشاهدة أصحابه، أو مشاهدة من شاهد أصحابه.

 

وهؤلاء أيضًا خصهم الله تعالى بنشر الدين، وقتال المرتدين، وجمع المصحف الكريم، وفتح الفتوح، وتعليم الإسلام للداخلين فيه حديثًا، وجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتمييز الصحيح منها والضعيف، ووضع القواعد الأولى لعلوم النحو والعقيدة والحديث، والفقه وأصول الفقه والتفسير، وغيرها من الأمور التي خصهم الله تعالى وفضَّلهم بها.

 

وهم مع ذلك كانوا أصحاب جدٍّ واجتهاد في عبادتهم، فمنهم من كان يقرأ القرآن كاملًا في ليلة، ولم يكن هذا مستغربًا فيهم، كما أُثر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

 

ومنهم من كان يصوم الدهر، لا يُفطر إلا في يومي العيد؛ الفطر والأضحى، مثل عائشة رضي الله عنها، وأبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه.

 

ومنهم من وضع أقدامه في ركاب الجهاد في سبيل الله، فلا يسمع صيحة أو هيعة إلا طار لها، مثل أبي أيوب الأنصاري، الذي لما ثقل عن الركوب على الخيل، ودعا داعي الجهاد في بلاد الروم، ركب فرسه وسار مع المجاهدين، فقال له أبناؤه: “إن الله قد عذرك لسنِّك، فقال: إن الله استنفرنا خفافًا وثقالًا: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41]، وقد جاهدت وأنا خفيف، وأقاتل اليوم وأنا ثقيل.

 

أيها المسلمون: إن كثرة العبادة كانت أمرًا مألوفًا في الصدر الأول من المسلمين، فكانت قراءة عشرين جزءًا في ليلة واحدة أمرًا هينًا عليهم، وشائعًا بينهم.

 

أما نحن أهل العصور المتأخرة، فأصلح الصالحين فينا من قام نصف ساعة من الليل، ومن صام الاثنين والخميس من كل أسبوع، ومن قرأ القرآن في شهر.

 

ومع ذلك نطمع أن نزاحم بأعمالنا هذه الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

 

إنه الغرور من أنفسنا، ونعوذ بالله من الغرور؛ {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33].

 

إن بيننا وبين تلك الأجيال العظيمة مسافاتٍ طويلة؛ وكما قال الله سبحانه وتعالى في وصف الطائفة الأفضل من أهل الجنة: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 13، 14].

 

إننا في حقيقة الأمر نجاهد جهادًا عظيمًا في المحافظة على الصلوات الخمس في المساجد، ومن حافظ عليها عددناه من كبار الصالحين، مع أنها في الحقيقة هي المطلوب والمفروض من المسلم أن يفعله ولا يتفاخر به.

 

إذا علمنا حالنا هذه، وكاشفنا أنفسنا مكاشفةً صريحة، لم يبقَ أمامنا إلا باب واحد، نستطيع من خلاله أن نقترب من القرون المفضلة.

وهذا الباب هو باب حُسن الخُلق.

 

الأخلاق الحسنة، الحِلم، الإيثار، قول الحق، الرأفة بالناس، تحمل زلَّاتهم، الصبر على آذاهم، التواضع للخلق، ترك التكبر والاستكبار.

هذا الباب هو باب المنافسة معهم، أما أن نخدع أنفسنا ونرى أعمالنا القليلة هذه، يمكن أن تجعلنا في مصافِّهم، فهذا هو الوهم العظيم، والخداع الكبير.

 

فلقد جاءت أحاديث عظيمة في الحث على حسن الخلق؛ منها:

أولًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما روى الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الألباني، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «إن المؤمن لَيدرك بحسن خلقه درجةَ الصائم القائم».

 

ثانيًا: ما رواه الإمام أحمد والترمذي، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:  «اتَّقِ الله حيثما كنتَ، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناس بخلق حسن».

 

ثالثًا: جاء في صحيح البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا)).

 

رابعًا: روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال:  «تقوى الله وحسن الخلق».

 

خامسًا: روى أبو داود عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق».

 

سادسًا: روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «أكمل المؤمنين أحسنهم خلقًا».

 

أيها المسلمون: هذا بعض ما جاء في فضائل حسن الخلق، وهو زاد عظيم، وسهل لمن أراد أن يتزود به، ويزاحم بكتفه أكتاف الصحابة والتابعين.

____________________________________

الكاتب: ساير بن هليل المسباح

المصدر: الألوكة


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الفرق بين ( كلما ) و ( كل ما )

(كلما) وردت في معرض الحديث عن قوم معينين تجمعهم رابطة واحدة، أو عن مكان واحد يدور …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *