إن القرآن نزل ليس لنتلوه بألسنتنا ونحفظ كلماته ولكن لنتأثر به ويغير فينا ونحن نأبى إلا أن نبحث عن السعادة وحلول لمشكلاتنا اليومية فى ثقافات الغرب وفلسفات إغريقية وطقوس هندية والعلاج أقرب لك من كل ذلك تجده بين دفتى المصحف تريد علاقة الزوج بزوجته د تريد علاقة الأبناء بأبائهم تريد علاقة الوالدين بابناءهم ستجد حلولا لكل مشاكلنا اليومية الإجتماعية وتعلمنا أساليب تربوية للأبناء التى تضمن سلامة العقيدة وصحة العبادة التى تترجم فى سلوكيات تجعل من الشاب او الفتاة قدوة لغيرهم ومثالا طيبا للإسلام والمسلمين
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ}
لقمان من هو ؟ اختلف السلف في لقمان ، عليه السلام : هل كان نبيا ، أو عبدا صالحا من غير نبوة ؟ أغلب الرأى أنه كان عبدا صالحا
أتاه الله الحكمة والتى هى وضع الأمور في نصابها في تبصر وروية وإدراك وقيل أنها القصد والاعتدال وإداراك العلل والغايات من الأمور
وأمره أن يشكر نعمة الله عليه وقد بينت الآيات فى موضع آخر قيمة هذه النعمة {” يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ 269}
ومن أداوت شكر النعم أن يستعملها فى طاعة الله ونبه إلى أن شكر النعم يعود على الإنسان بالنفع والثواب فإن الله غنى عن أعمالنا وحذر من جحد نعمة الله واستخدمها فى معصية الله فإن الانسان فى ذلك يسىء إلى نفسه ليس إلا فإن الله لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية قال تعالى :” { َمنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها} [فصلت ٤١/ ٤٦] وقال عز وجل: { وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم ٣٠]
وقد استعمل لقمان ما أوتى من الحكمة والمعرفة الصحيحة مع ابنه فبدأ بتقديم النصح له وأول ما نصحه به أن يكون سليم العقيدة فلا يشرك بالله
{وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ}
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت آية { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ، أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام] شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنه ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} “
لماذا الشرك ظلم يجيب على ذلك وهبة الزحيلى فيقول :” فإن الشرك أعظم الظلم، أما إنه ظلم فلكونه وضع الشيء في غير موضعه، وأما كونه أعظم الظلم فلتعلقه بأصل الاعتقاد وتسويته بين الخالق والمخلوق، وبين المنعم وحده وبين غير المنعم أصلا، وهي الأصنام والأوثان
والشرك نوعان شرك أكبر وشرك أصغر وهو الرياء
من الشرك الأكبر الالتجاء لغير الله وظن أن أحد بيده الضر والنفع سوى الله ومحبة المخلوق كحب الله والخوف من المخلوق والتوكل على غير الله عزوجل والشرك الأصغر الرياء: وهو إظهار العمل الصالح للناس بقصد الثناء والمدح
وماذا عن علاقة الوالدين بأبنائهم تبينها لنا الآيات
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ (14) وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ }
يتبع الحديث عن عدم الشرك بالله بالحديث عن بر الوالدين وبيان حقهما على ولدهما وهذا كثيرا ما نراه فى القرآن ما يقرن بين الأمر بتوحيد الله والبر بالوالدين كما في قوله سبحانه: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [الإسراء 17/ 23] ، قيل إنها من كلام لقمان لابنه ولكن ما يراه جمع كبير من المفسرين أن هذه الآية إلى آخر الآيتين بعدها كلام مستأنف من الله تعالى، جاء معترضا بين وصايا لقمان لابنه، تأكيدا للنهي عن الشرك
إنها وصية الله عزوجل للإنسان بوالديه وعهد إليه بأن يشكر الله على نعمته عليه ويشكر للوالدين فضلهما عليهإ وإحسانهما إليه فهم سبب وجودك فى الدنيا ويذكره بضعفه وأصل خلقه وما لاقاته أمه من تعب ومشقة من حمل ووضع وإرضاع وفطام وما لاقاه والده من كد من أجل لقمة العيش وتعب فى التربية دول ملل أو تشكى يتابعونه يوما عن يوما بفرح وسرور ويذكره بيوم الحساب حيث المرجع والمآل إلى الله تعالى يجازى المحسن على إحسانه والمسىء على إساءته وهذا تنبيه وتخويف لكل عاق لوالديه فإنه ذنب يعجل الله العقوبة فى الدنيا قبل الآخرة
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فَلا تُطِعْهُما
فإن اختلفت العقيدة وأصر الوالدين على أن تتبع دينهما فهنا يسقط حق الطاعة لهما فرابطة العقيدة مقدمة على أى رابطة فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ولكن يبقى الصحبة بالمعروف فاختلاف العقيدة لا يعنى أن يسقط حق الوالدين فى المعاملة الحسنة
يقول وهبة الزحيلى : وقوله: فِي الدُّنْيا تهوين شأن الصحبة، فهي لأيام محدودة، وسنوات معدودة، سريعة الزوال والانقضاء”
والمعروف هنا: ما يعرفه الشرع ويرتضيه، وما يقتضي به الكرم والمروءة في إطعامهما وكسوتهما والإحسان إليهما في القول والفعل وتعالجهما عند المرض، وتواريهما عند الموت في القبور،
فلن تطول صحبة الأهل على غير طاعة الله ولكنه اختبار للإنسان فى أهله وما أصعبه اختبار أن يكون أقرب الناس لك على غير طريقك وغير عقيدتك
وكل عمل قصد به رضا الناس بسخط الله فيعتبر درجة من الشرك بالله فإن حرض الوالدان الأبناء على معصية الله مثل خلع الحجاب أو الكذب أو عدم آداء أى فرض فرضه الله عليهم إرضاء للوالدين فهو شرك بالله ولا يجب طاعتهما
وألزم سبيل المؤمنين التائبين سريعى الرجوع إلى الله ولا تحاب أحداً على حساب دينك فإلى الله المرجع والمآل فيخبر كل إنسان بما كان يعمل من خير أو شر فى الدنيا إنها دار الجزاء فيجازى المؤمن على إيمانه وصبره فى الدنيا على الاختبارات ويرى الكافر عاقبه كفره وعناده
وبعد الحديث عن سلامة العقيدة من كل شرك والبربالوالدين يأتى الحديث عن اليوم الآخر وبيان دقة الحساب وعدالة الميزان وبيان قدرة الله وإحاطته بكل شىء علما وأنه لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء
{{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ}}
يظهر ذلك من خلال حبة الخردل الضائعة التى لا وزن لها ولا قيمة تخيل أن السموات بسعتها التى لا نعرف منتهاها والذى يظهر فيه النجم كنقطة فى فلاة فكيف بحبة خردل صغيرة مختفية تحت ضخرة صلبة لا تظهر ولا يتوصل إليها لا يعلم عنها أحد يأت بها الله وهكذا أحلامك وأمنياتك وإن كنت تراها مستحيلة يأت بها الله بفضله وكرمه يأت بها الله ولكن فى الوقت المناسب كم مرة ظُلمت وبخس الناس حقك ……لا تخف يأت لك بالحق فى الدنيا قبل الآخرة بطريقة قد لا تخطر لك على بال يأتى بآمالك البسيطة وإن كنت قد نسيتها يدبر أمرك وأنت نائم ويدافع عنك من حيث لا تحتسب ويسخر لك الأشياء والأشخاص وأنت لا تدرى يفتح لك الأبواب المغلقة وأنت لا تعلم يصرف عنك السوء والشر من حين لا تعلم فقط كن على طاعة وثق فيه واستسلم لما يأمرك به فهو وحده يعلم ما ينفعك وما يضرك وهو العالم ببواطن الأمور وخفاياها
وتختم الآيه باسم الله اللطيف وهويتناسب مع خفاء حبة الخردل عن الأعين مع صغرها المتناهى فاللطف يحمل معنى الخفاء وهو معنى يأخذنا إلى مراقبة الله عزوجل فكم من أشياء لا ترضى الله نفعلها ونظن أنها تخفى عليه وهذا من تفكيرنا القاصر فنعود سريعا لنتوب ونستغفر وعلى الجانب الآخر هذا المشهد لا يزيدك إلا ثقة ويقينا فى خالقك
كما بينت الآيات أن الإيمان بالثواب والعقاب هو العلاج الناجع لاستقامة الضمير والإحساس بالمسئولية أمام الله فى الدنيا والآخرة فتجعل الإنسان يراجع نفسه ويحاسبها فى كل وقت
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ، إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وبعد الوصية بإفراد الله بالعباده وعدم الشرك به يأتى الأمر بالصلاة التى هى الصلة بين العبد وربه وهى عمود الدين فإن أنت رضيت بالله ربا فعليك أن تسلم لأوامره وأول ما أمرنا به الصلاة فلابد أن يخرج الاعتقاد من مرحلة التصديق بالقلب لمرحلة التطبيق العملى من خلا ل استشعار أثر الصلاة فى حياتنا باستشعار معنى إياك نعبد وإياك نسنعين فى الفاتحة وطلب الهداية من الله فى خمس صلوات يوما وكيف أن السجود يزيد الإنسان قربا من خالقه إذ يقول تعالى :” وأسجد واقترب ” كما أنها توقظ ضميره فتنهاه عن الفواحش والمنكرات كما بين المولى عزوجل فى كتابه { ” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”}
وهى تحقق التوازن بين الروح والمادة فيخرج منها وقد أزداد طمأنينة وراحة أن أموره كلها بيد خالقه ولا سلطان لأحد عليه فعزته وكرامته أنه عبد لله فقط فهى الحصن الحصين من الخوف والقلق حين قال تعالى:” { إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا (20) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ (22) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ”}
كما أنها تربى الإنسان على الارتباط بالجماعة حين يصطفون وراء إمام واحد متجهين إلى رب واحد
وبعد أن وصى لقمان ابنه بتوحيد الله تعالى وتحقيق العبودية له بإقامة الصلاة حثه على أن ينطلق من اصلاح نفسه لإصلاح المجتمع أراد له أن يكون له دور إيجابيا فى المجتمع بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن خيرية الأمة فى الدعوة إلى الله : {” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (“110}
إنه شعور المسئولية تجاه المجتمع وهو الذى نطق به عامر بن ربعى لقائد الفرس رستم حين سأله ما جاء بكم ؟ قال لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة وجور الأديان إلى عدل الإسلام فلن يستقيم الفرد وينصلح حاله إلا بصلاح المجتمع من حوله فجميعهم يدور فى دائرة واحدة أراد بذلك لقمان أن يجعل من ابنه شخصا مسئولا تجاه مجتمعه يعرف الغاية من حياته وهى أن يكون صالح فى نفسه مصلح لغيره وبذلك يكون قد حقق معنى العبودية الحقة لله حين قال {“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”}
وبعد أن أمره بالدعوة إلى الله أمره بالصبر على الطريق وما يلقاه من عناد وانحراف القلب وإعراض النفوس عن دعوة الحق ومن الأذى الذى يتعرض له باللسان او باليد ومن الابتلاء فى المال أو النفس و‘نها لسنة الأنبياء وأصحاب الرسالات فى قيامهم بتغير النفوس ومواجهة الناس بغير ما اعتادوا عليه والفوه فعلى الداعية أن يضبط نفسه عن التشكى والجزع والملل والعجلة والغضب والأهواء وغيرها من الصفات الغير مرغوب فيها فى التعامل مع الناس ودعوتهم فيخلص نفسه من حظوظ الدنيا ويحتسب الاجرعند الله
كما بين له أن الصبر على البلاء يحتاج إلى عزم وإرادة قوية ولا يتأتى ذلك إلا بالاستعانة بالله والالتجاء إليه وهى تتحقق من خلال الصلاة إذ يقول تعالى : { ” وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ”}
وبعد أن وصى لقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أراد أن يكون قدوة للناس ليس بالكلام فقط ولكن بالأخلاق والتعامل أيضا
{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
فلا يصيبه الكبر على من يدعوهم ويظن أنه يعرف أكثر منهم
لَا تُصَعِّرْ
“الصعر داء يصيب أعناق الإبل”
فلا يعرض بوجهه عنهم تكبرا وتقليلا من شأنهم بل عليه أن يقبل عليهم بوجه و يتواضع معهم ويكون هينا لينا سهلا ويكون بذلك قد نجح فى دعوتهم وأصبح قدوة باخلاقه لهم فما أسوء الداعية إذا أفسد بأفعاله ما ينطقه لسانه
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُور }
ولا يمشى مشية الخيلاء والإعجاب بالنفس والزهو فتلك مشية لا يحبها الله عزوجل عن ابن عمر قال صلّى الله عليه وسلّم: «من جرّ ثوبه خيلاء، لا ينظر الله إليه يوم القيامة»
المختال : معجب في نفسه، فخور على غيره
يقول القرطبى : الفخور: هو الذي يعدد ما أعطي، ولا يشكر الله تعالى
وقال إحدى التابعين «طوبى للأتقياء الأثرياء الذين إذا أحضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح مجردون من كل فتنة غبراء مشتتة
وكأن الآيات تحمى الإنسان من نفسه من أن يصيبه كبر أوزهو بنفسه لنعمة أعطاه الله إياها فيختال بها على الناس وتقطع جذور الإعجاب بالنفس من البداية بإنها صفات لا يحبها الله تعالى فقد يجازى الله هؤلاء الذين اغتروا بنعم الله ونسوا المنعم وملأ قلوبهم الكبر فيكون نهايتهم كما حدث لقارون حين خرج على قومه مختال متكبر عليهم بما عنده فكانت العاقبة أن خسف الله به وبداره الأرض فأصبح عبره لمن اعتبر
فضلا عن أن المتكبر المتباهى بما عنده ينصرف عنه الناس ولا يلقى قبولا عندهم لكلامه ويصبح عندهم مذموما إذ كيف يكون له القبول فى الأرض وقد نافس الله على صفة من صفاته وهى الكبرياء
كما إنها تبين أن الدين المعاملة فجعل نظرة أو مشية فيها كبر على الناس أو تفاخر بشىء مجرد نظرة أو حركة يحاسب الإنسان عليها لما فيها من جرح لمشاعر الآخرين وإيذاء لهم
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ}
يقول صاحب الظلال :. والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإسراف . وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال والأمر هنا بالاعتدال فى الكلام فلا يرفع الصوت بطريقة تزعج السامع وتجعله يرفض مواصلة الحديث ولا يخفض الصوت أكثر من اللازم فلا يدرى المستمع عن ماذا يتحدث ولا يستفيد من الكلام
وذهب بعض العلماء إلى أن الامر بالاعتدال عام فى كل أمر من أمور الدين والدنيا
والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته
إذا تأملنا فى نفسية الذى اعتاد رفع الصوت فى الكلام نجد أنها دليل على أنه لا يحترم الآخرين ولا يثق فى نفسه أو أنه يعلم أن ما يقوله لا قيمة له فيخفى ذلك وراء الغلظة والصوت العالى
أنكر الأصوات يقول القرطبى أي أقبحها وأوحشها ; والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة ، وقد عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة
وتصوير الذى يرفع صوته فى الكلام بصوت الحمير تصوير ينفر الناس ممن يسلك هذا السلوك ويبين مدى بشاعة هذا الأمر وقد بين لنا النبى صلى الله عليه وسلم انه من يسمع صوت الحمار يتعوذ بالله لماذا هذا ما يبينه لنا الحديث
في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا
وكل هذه الأداب القصد منها التواضع مع الناس وأن يقدم له القدوة الصالحة
لقد ارتكزت وصايا لقمان على محاور عدة أولها سلامة العقيدة وتحقيق العبودية لله وترجمة ذلك إلى سلوكيات عملية وأخلاقيات فى التعامل مع الناس ومن ثم الإحساس بالمسؤلية والدور الإيجابى تجاه المجتمع ونحن نجد من يتخبط فى ظلمات الفلسفات اليونانية والعقائد المنحرفة ويتخذ منها سبيل للنجاه ولكن ياتى المنهج القرآنى ليعلمنا انه
ليس هناك طريقين للصلاح إنما هو طريق واحد يصلح به أمر الدنيا والآخرة إنها التربية القرآنية للنفس البشرية فالذى اتبع نفسه هواه ولم ينتهج منهج القرآن تراه دائما قلقا يعيش فى خوف يستعبده المال وينخلع قلبه إذا تذكر انه سيموت يوما فهو غير مطمئن على نفسه ولا على ماله ولا على شىء فكيف يستوى ومن عاش مؤمنا محقق العبودية لله بقلبه وتنعكس على سلوكياته وصدق قول الحق :” {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
فالسعادة والتوفيق والخير كل الخير فى اتباع منهج القرآن فى التربية والاصلاح فما من آيه تحدثت عن الإيمان إلا وأتبعت بالعمل الصالح ” الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ “وكان لقمان قدوة لابنه فى ذلك فقد استخدم النعمة التى أنعم الله عليه بها فى خدمة مجتمعه ونشر الخير فى الناس لينير لمن حوله الطريق وتلك كانت مهمة الرسل فقد بعثهم الله بالخير لأقوامهم مبشرين ومنذرين
كما ترشدنا الآيات إلى أنه من أراد الإصلاح فى المجتمع لابد له أن يهذب نفسه ويتعهد قلبه فيحفظه من أمراض القلوب ويربيه على التواضع والصبر وأدب الحديث والتواصل مع الناس حقا
إنها التربية القرآنية التى تحرر الإنسان من عبادة الأهواء والشهوات ويخلصه من الخرافات والأوهام حتى يكون عبدا خالصا لله
Source link