العناصر الأساسية :
العنصر الأول : بعث الله تعالى رسوله مربيا ومعلما.
العنصر الثاني : ثمرة من ثمار الجهد النبوي ( الغلام المعلم)
العنصر الثالث: وقل رب زدني علما.
الموضوع :
أخرج ابن ماجة وغيره منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِحَلْقَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ، وَالْأُخْرَى يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ : هَؤُلَاءِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا “. فَجَلَسَ مَعَهُمْ» ..
أيها الإخوة الكرام:كما بعث الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ، هاديا ، ومبشرا ، ونذيرا ، بعث الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم مربيا ومعلما ..
قال الله تعالى {{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} } [ سورة الجمعة] .
وقال عن نفسه عليه الصلاة والسلام «” إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا “» .
وقال معاوية بن الحكم السلمي عن موقف له مع النبي عليه الصلاة والسلام ” بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه “
وفي رواية أبي داود قال معاوية ” ما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم”
اليوم أيها المؤمنون نتحدث عن ثمرة من ثمار جهد النبي محمد
صلى الله عليه وسلم ، عن رجل أخذ العلم غضا طريا عن النبي عليه الصلاة والسلام ..
إنه ابن أم عبد ، الغلام المعلم ، عبدالله بن مسعود ، صاحب أثقل قدم توضع في الميزان يوم القيامة رضي الله تعالى عنه وأرضاه..
وأول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يأتيهم في مجالسهم فيسمعهم القرآن وأوذي في سبيل الله كثيرا..
أحد السابقين الأولين إلى الإسلام ( عبد الله بن مسعود) ..
كان غلاما يافعا يرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وقد بلغ بهما الجهد مبلغا ، فكلمه رسول الله أن يحلب لهما من ألبان الغنم ، فاعتذر ، وقال ليست الغنم غنمي ، إنما أنا مؤتمن ، فسر بأمانته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال دلني على شاة لم ينز عليها الفحل ، فدله على شاة يافعة لم ينز عليها الفحل ، فأخذها رسول الله فمسح ضرعها ، ودعا الله تعالى حتى حفل ضرع الشاة باللبن ، فمسحها وحلبها رسول الله فسقى الغلام ، وسقى أبا بكر ، وشرب رسول الله ، ثم إن رسول الله دعا ربه فقلص الضرع ..
فتعلق ابن مسعود يسأل رسول الله من أنت ؟ وما دعاءك الذي دعوت به ؟
فأخبره رسول الله أنه نبي هذه الأمة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ، فأسلم ابن مسعود وحسن إسلامه ..
ولازم ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يلازم الظل صاحبه ، وجعل يخدم رسول الله حبا ، وودا ، وأذن له رسول الله أن يدخل عليه متى شاء ..
يحمل حذاءه ، يأتيه بوضوءه ، ويحضر معه الصلوات ، ويصحبه في الأسفار ، ويحضر منازل الوحي ، ويذهب معه حين يلتقي بالجن ، ولا يغيب عن مشهد واحد ، ولا عن صلاة واحدة ، ولا عن غزوة واحدة مع النبي عليه الصلاة والسلام ، ويسمع ابن مسعود القرآن الكريم غضا طريا من رسول الله صلى الله عليه وسلم..
هذه الملازمة ، وهذا الحضور الدائم ، وهذا الشهود المتكرر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع به ابن مسعود بعلم كثير تعلمه من رسول الله مباشرة ، ورجع بقرآن وحديث وفقه وهدي وأخلاق شربها من طول الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان ابن مسعود أقرب الناس من رسول الله هديا وسمتا ..
كتب الوحي بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام ، وكتب لنفسه مصحفا خاصاً يعرف بمصحف ابن مسعود..
قال ابن مسعود عن نفسه: ” والله الذي لا إله غيره ، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ، وأعلم فيما نزلت ، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تناله المطي لأتيته .
وعن ظهر قلب حفظ القرآن الكريم من سماعه لتلاوة رسول الله في الصلاة ثم إنه أحد كتاب الوحي، ثم إنه أملاه لغيره ، حتى جاء رجل من الكوفة فقال لعمر رضي الله عنه تركت بالكوفة رجلا يملي القرآن عن ظهر قلب ، فغضب عمر رضي الله عنه ، ولم يسكن غضبه إلا عندما علم أنه ابن مسعود عندها فقط انطفأ غضبه ، وقال والله ما بقي أحد أولي بأن يملي القرآن عن ظهر قلب إلا ابن مسعود..
ثم استكمل عمر كلامه فقال :
سهرت مع رسول الله ليلة ومعه أبو بكر في مصلحة من مصالح المسلمين ، قال فلما خرجنا إذا رجل قائم بالليل يصلي فسمعته رسول الله فوقف يستمع إليه ويعجب له ، ويقول:
” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ “.
قَالَ عمر : ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ يَدْعُو، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ : ” سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ “. قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ : وَاللَّهِ لَأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ، فَلَأُبَشِّرَنَّهُ. قَالَ : فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ، فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَبَشَّرَهُ، وَلَا وَاللَّهِ، مَا سَابَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ، إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ.
الغلام المعلم: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه..
زاحم الناس حتى أخذ القرٱن والفقه والحديث والأخلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
في خلافة عمر كان ابن مسعود يسكن العراق، وقد أنشأ بالكوفة مدرسة لتفسير القرٱن الكريم، وأخذ العلم عنه خلق كثير..
في سفر من أسفار عمر التقى بركب تحت ظلمة الليل فلم يتبين وجوههم فقال عمر لمناد فناداهم ممن القوم؟ فأجابه أحدهم قال من الفج العميق.
قال: وأين تريدون؟
قال أحدهم نريد البيت العتيق..
فقال عمر إن فيهم عالما.. فأمر المنادي أن يناديهم أي القرٱن أعظم؟ فأجابه أحدهم قال ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم)
قال عمر نادهم أي القرٱن أحكم؟
فأجابه أحدهم قال ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)
فقال عمر نادهم أي القرٱن أجمع؟
فأجابه أحدهم قال ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
فقال عمر نادهم أي القرٱن أخوف؟
فأجابه أحدهم قال ( {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}
فقال عمر نادهم أي القرٱن أرجى؟
فأجابه أحدهم قال { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
فقال عمر نادهم أفيكم ابن مسعود؟
قالوا اللهم نعم.
اجتهد ابن مسعود في طلب العلم، فوفقه الله تعالى، وحقق له ما أراد فلم يكن أحد أعلم بكتاب الله منه..
ثم كانت النهاية: مات ابن مسعود وترك لنا آثاره الطيبه وترك لنا علما ينتفع به، فلا تكاد اليوم تفتح كتابا في الفقه أو الحديث أو التفسير إلا وترى فيها علما حفظه الله تعالى عن الغلام المعلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..
الخطبة الثانية
فيأيها الإخوة الكرام: بقي لنا في ختام الحديث أن نقول إن من أحب الأعمال إلى الله تعالى سعي الإنسان ليحصل علما نافعا..
ومن المبشرات: « ” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ “» .
تحصيل العلم وطلبه لا ينحصر ولا يقتصر على فترة الدراسة، إنما المؤمن يطلب العمل من المهد إلى اللحد..
كان الإمام أحمد بن حنبل يحمل دواته وقلمه وأوراقه في كل مجلس يجلسه، وهو إمام الدنيا في زمانه، فقيل له يا إمام إلى متى؟
قال: مع المحبرة إلى المقبرة..
العلم بحر ليس له ساحل، المؤمن يطلب العلم وهو يحتسب أجره على الله تعالى، المؤمن يطلب العلم ويسأل الله الزيادة منه..
ولا مانع فقد قال الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم وهو الذي بعث معلما (وقل رب زدني علما)
وإذا كنا يومنا هذا نتكلم عن الغلام المعلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد كان رضي الله عنه إذا تلا قول الله تعالى:(وقل رب زدني علما) قال: اللهم زدني علما وإيمانا ويقينا. حتى بلغ من اجتهاده في تطبيقه لتلك الآية أن قال:
( والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت، ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه).
وفي الختام أود أن أقول:
ليست القضية في أن تعلم، إنما القضية أن تعمل بما تعلم..
القضية أن يمتزج علمك بالإخلاص لله رب العالمين حين تحصله، وأن يمتزج علمك بالإخلاص لله رب العالمين حين تبذله..
قال النبي عليه الصلاة والسلام: “مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ”.
العلم يكون حجة لك إن عملت به، ويكون العلم حجة على صاحبه إن ترك العمل به..
ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: ومن بينهن قوله عليه الصلاة والسلام ( وعن علمه ماذا عمل به)
أيها الإخوة الكرام: من بين ما بلغنا من دعوات النبي عليه الصلاة والسلام قوله:«اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي»،
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
——————————————————————————
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر
Source link