فضل الدعوة وأهميتها وكيف تكون داعية، وفن الخطابة – محمد بن علي بن جميل المطري

فعلم أن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأن الأمة في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها، بل في أشد الضرورة إلى ذلك.

 

فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبد وحده لا شريك له، وليعظم أمره ونهيه، وليعرف بأسمائه وصفاته، كما قال عز وجل: {{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}} ، وقال عز وجل: {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}} ، وقال عز وجل: {{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}} .

والعبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها العقول، كما أنه لا يمكن أن تعرف بها الأحكام من الأوامر والنواهي على التفصيل، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وأنزل الكتب لبيان الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق، ولإيضاحه وتفصيله للناس، حتى يعبدوا الله على بصيرة، وحتى ينتهوا عما نهاهم عنه على بصيرة، فالرسل عليهم الصلاة والسلام هم هداة الخلق، ودعاة الثقلين جميعا إلى طاعة الله وعبادته، وقد ختم الرسل جل وعلا بأفضلهم وإمامهم، وبسيدهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه وعليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ودعا إلى الله سرا وجهرا، وأوذي في الله أشد الأذى، ولكنه صبر على ذلك كما صبر من قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام، واستمر عليه الصلاة والسلام في الدعوة وإيضاح الحق، وشرع في الجهاد بالسيف، وأرسل أصحابه يدعون الناس إلى الخير والهدى، حتى أظهر الله دينه على يديه، وحتى أكمل الله به الدين، وأتم عليه وعلى أمته النعمة، ثم توفي عليه الصلاة والسلام بعدما أكمل الله به الدين، وبلغ البلاغ المبين عليه الصلاة

والسلام، فتحمل أصحابه من بعده الأمانة، وساروا على الطريق، فدعوا إلى الله عز وجل، وانتشروا في أرجاء المعمورة دعاة للحق، ومجاهدين في سبيل الله عز وجل، لا يخشون في الله لومة لائم، يبلغون رسالات الله، ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله جل وعلا، ينشرون دين الله، ويعلمون الناس شريعته، ويوضحون لهم العقيدة التي بعث الله بها الرسل، وهي إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، وصبروا على ذلك صبرا عظيما، وجاهدوا في الله جهادا كبيرا، رضي الله عنهم وأرضاهم.

 وتبعهم على ذلك أئمة الهدى من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من العرب وغير العرب، ساروا في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، وتحملوا أعباءها، وأدوا الأمانة، مع الصدق والصبر والإخلاص، قال الله تعالى: {{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}} .

فعلم أن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأن الأمة في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها، بل في أشد الضرورة إلى ذلك.

بيان حكم الدعوة إلى الله عز وجل:

قد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة، منها: قوله سبحانه: {{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}} ، ومنها: قوله جل وعلا: {{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}} ، ومنها: قوله عز وجل: {{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}} ومنها: قوله سبحانه: {{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} } .

فبين سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب – كما هو معلوم – هو اتباعه، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}} .

وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة، وعملا صالحا جليلا.

وإذا لم يقم أهل الإقليم، أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاما، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، وعند قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل – كحالنا اليوم – تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته.

فضل الدعوة إلى الله عز وجل

ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة، من ذلك قوله جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال الله جل وعلا: { {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}} فبين سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على بصيرة، وأن أتباعه كذلك، فهذا فيه فضل الدعوة، وأن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة، والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه، وفي هذا شرف لهم وتفضيل، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: ««من دل على خير فله مثل أجر فاعله»» [رواه مسلم] ، وقال عليه الصلاة والسلام: ««من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا»» [أخرجه مسلم] .

وصح عنه عليه الصلاة والسلام «أنه قال لعلي رضي الله عنه وأرضاه: ” فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» متفق على صحته، وهذا أيضا يدلنا على فضل الدعوة إلى الله وما فيها من الخير العظيم، وأن الداعي إلى الله جل وعلا يعطى مثل أجور من هداه الله على يديه ولو كثروا.

كيفية الدعوة وأسلوبها:

كيفية الدعوة وأسلوبها بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، وفيما جاء في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك قوله جل وعلا: {{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}} ، فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتصف بها الداعية ويسلكها، يبدأ أولا بالحكمة، والمراد بها: الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل؛ ولهذا قال بعض المفسرين: المعنى: بالأدلة من الكتاب والسنة، فعلى الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة، ويبدأ بها، ويعنى بها، فإذا كان المدعو عنده بعض الجفا والاعتراض دعوته بالموعظة الحسنة، بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة، وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن.

وقد أمر الله جل وعلا موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولا لينا وهو أطغى الطغاة، فقال سبحانه: {{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}} ، وقال الله سبحانه في نبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}} .

لكن إذا ظهر من المدعو العناد والظلم، فلا مانع من الإغلاظ عليه، كما قال الله سبحانه: {{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}} .

والشيء الذي يدعى إليه، ويجب على الدعاة أن يوضحوه للناس: هو صراط الله المستقيم، وهو الإسلام، وهو دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة، كما قال سبحانه: {{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}

فسبيل الله جل وعلا: هو الإسلام، وهو الصراط المستقيم، وهو دين الله الذي بعث به نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي تجب الدعوة إليه، لا إلى مذهب فلان ولا إلى رأي فلان، ولكن إلى دين الله، إلى صراط الله، وهو ما دل عليه القرآن العظيم، والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى رأس ذلك الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، إلى الإخلاص لله وتوحيده بالعبادة، والإيمان به وبرسله، والإيمان باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله به ورسوله، ويدخل في ذلك أيضا الدعوة إلى ما أوجب الله من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت … إلى غير ذلك.

ويدخل أيضا في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ بما شرع الله في الطهارة والصلاة، والمعاملات، والنكاح والطلاق، والجنايات، والنفقات، والحرب والسلم، وفي كل شيء؛ لأن دين الله عز وجل دين شامل، يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد، ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق وعن سيئ الأعمال، فهو عبادة وقيادة، يكون عابدا، ويكون قائدا للجيش. عبادة وحكم، يكون عابدا مصليا صائما، ويكون حاكما بشرع الله منفذا لأحكامه عز وجل. عبادة وجهاد، يدعو إلى الله، ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله. مصحف وسيف، يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة، ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه. سياسة واجتماع، فهو يدعو إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم، كما قال جل وعلا: { {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}} فدين الله يدعو إلى الاجتماع، وإلى السياسة الصالحة الحكيمة، التي تجمع ولا تفرق، تؤلف ولا تباعد، تدعو إلى صفاء القلوب، واحترام الإخوة الإسلامية، والتعاون على البر والتقوى، والنصح لله ولعباده، وهو أيضا يدعو إلى أداء الأمانة والحكم بالشريعة، وترك الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، كما قال سبحانه: {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} .

وعلى المسلم أن يأخذ الإسلام كله ولا يأخذ جانبا دون جانب، لا يأخذ العقيدة ويدع الأحكام والأعمال، ولا يأخذ الأعمال والأحكام ويدع العقيدة، بل يأخذ الإسلام كله، عقيدة، وعملا، وعبادة، وجهادا، واجتماعا، وسياسة، واقتصادا وغير ذلك، يأخذه من كل الوجوه كما قال سبحانه: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}} .

قال المفسرون: معنى ذلك: ادخلوا في الإسلام جميعه، يقال للإسلام: سلم؛ لأنه طريق السلامة، وطريق النجاة في الدنيا والآخرة، فهو سلم وإسلام، فالإسلام يدعو إلى السلم، يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص والجهاد الشرعي الصادق، فهو سلم وإسلام، وأمن وإيمان؛ ولهذا قال جل وعلا: {{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}} أي: ادخلوا في جميع شعب الإيمان، لا تأخذوا بعضا وتدعوا بعضا، عليكم أن تأخذوا بالإسلام كله، {{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}} يعني: المعاصي التي حرمها الله عز وجل فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين الله كله، فهو أعدى عدو؛ ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله، وأن يدين بالإسلام كله، وأن يعتصم بحبل الله عز وجل، وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع الأحوال، وعليه أن يحكم شرع الله في العبادات، وفي المعاملات، وفي النكاح والطلاق، وفي النفقات، وفي الرضاع، وفي السلم والحرب، ومع العدو والصديق، وفي الجنايات، وفي كل شيء.

والواجب على الداعية الإسلامي أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصبا لمذهب دون مذهب، أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه، واستقامة الناس عليه، وإن خالف رأي فلان أو فلان .

فن الخطابة:

الخطابة علم له أصول وقوانين، من سار في طريقها عد خطيبا، وهو يعنى بدراسة طرق التأثير، ووسائل الإقناع، وصفات الخطيب، وما ينبغى أن يتجه إليه من المعاني في الموضوعات المختلفة، وما يجب أن تكون عليه ألفاظ الخطبة، وأسالبيها، وترتيبها. من فنون النثر الأدبي فنٌّ لساني يلقى على جمهور السامعين، وهذا الفن النثري هو الخطابة، وللخطابة مجالاتها التي لا يمكن لأي فن أدبي آخر أن يغني عنها بحكم طبيعتها التي تلازمها على مدى العصور.

أنواعها:

تتعدد أنواع الخطابة بحسب مجالاتها المختلفة ولكن ما يهمنا الخطابة الدينية وهي التي تلقى في المساجد في صلاة الجمعة والعيدين، وفي المناسبات الدينية المختلفة للوعظ والإرشاد والحث على الاستمساك بالفضائل الإسلامية.

طرق تحصيلها:

لا شك أن الخطابة منصب خطير، لا يصل إليها طالبها بيسر، بل يحتاج طالبها إلى زاد عظيم، وصبر ومعاناة، واحتمال للمشاق. وطرق تحصيلها ما يأتي:-

1- فطرة تلائم الخطابة:

يستحب أن يكون الخطيب فصيحا طلق اللسان، ثابت الجنان، ذكي القلب، وأن تكون مخارج الحروف عنده صحيحة.

2- دراسة أصول الخطابة:

لا شك أن هذه الأصول لا تكفي وحدها، بل لا بد أن يكون معها استعداد كامن، ومران شديد على الخطابة. 3-قراءة كلام البلغاء:

ودراسته دراسة متعرف لمناص التأثير، وأسرار البلاغة، ومتذوق لما فيها من جمال الأسلوب وحسن التعبير، وجودة التفكير.

4- الإطلاع على كثير من العلوم التى تتصل بالجماعات:

كالاقتصاد والشرع، والأخلاق، والاجتماع، وعلم النفس، والمعتقدات.

5- الثروة الكثيرة من الألفاظ والأساليب:

الخطابة تحتاج إلى أن يعبر عن المعنى الواحد بعدة عبارات، وأساليب متغايرة.

6- ضبط النفس واحتمال المكاره:

يستحب للخطيب أن يتذرع بالصبر، وضبط النفس، والسيطرة على أعصابه ومشاعره، كما عليه أن يقضي على كل مظاهر الاضطراب والانفعال والوجل؛ لأن ظاهرة الاضطراب والوجل تورث في الخطيب الحيرة، والحيرة تسبب له التلعثم والارتباك.

7- الارتياض والممارسة:

رياضة النفس على الخطابة تكون بالارتياض على الفكرة والارتياض على الأسلوب والارتياض على الإلقاء، أما الارتباط على الفكرة فهو تعويد النفس على ضبط الأفكار، ووزن الآراء وتضنيف العناصر، وعقد الصلة بينهما وبين ما يجري في المجتمع من قضايا ومشكلات، وتعويد النفس على الاتصال بفئات البشر، والاندماج معها، والتعرف على أحوالها، أما الارتياض على الأسلوب فهو المران على التحدث ببليغ المقال، وفصيح الكلام. وهذا لا يتأتى إلا بحفظ آيات من القرآن والأحاديث النبوية، وعبارات البلغاء قديما وحديثا، كما يجب على الخطيب مطالعة الكتب الفكرية والأدبية فهي عامل آخر لارتقاء أسلوبه، وجودة تعبيره، أما الارتياض على الإلقاء فيبدأ بتعويد اللسان عند النطق على إخراج الحروف من مخارجها، ثم قراءة كل ما يستحسنه بصوت مرتفع، ولهجة متزنة، مصورا بصوته معاني ما يقرأ بتغيير النبرات، وبرفع الصوت وخفضه، ثم بإلقاء الموضوع بينه وبين نفسه متصورا أنه أمام جمهور، ثم بإلقاء الموضوع أمام من يثق بهم من إخوانه، ثم بإلقاء الموضوع في محيط لا يعرفه فيه أحد غير هياب ولا وجل.

صفات الخطيب:

1- الاستعانة بالله: الخطيب الناجح هو الذي يحرص على الاستعانة بالله في كل الظروف والأحوال فهو يستعين بالله في الإعداد، وحسن الأداء، وجمال الإلقاء. 3- الإخلاص: الإخلاص هو روح الأعمال وسر قبولها وبه يجمع الله سبحانه وتعالى القلوب، فالإخلاص عامل هام في النجاح والتأثير وينبغى على الخطيب أن يحذر من أمراض القلوب، وأن يبتعد عن الغرور والرياء وحب الظهور.

3- القدوة الحسنة: ينبغي على الخطيب أن يكون قدوة حسنة، وأن يكون سلوكه قويما، وأن يعمل بما يقول، وأن يكون إماما فيما يدعو إليه.

4- الشجاعة: لا بد أن يكون الخطيب شجاعا لا يخاف إلا الله وهو صاحب رسالة، ولذلك فالشجاعة ضرورية كذلك لتبليغ الحق المبين، وتجلية حقائق الإسلام، وعلاجه للمشكلات بكل وضوح وصراحة، ومحاربة الظلم، وفضح الباطل، وإقرار العدل.

5- الموهبة: إن نجاح الخطيب في مهمته فيه جانب يكتسبه عن طريق كتب فنون الخطابة وآدابها، والاستماع إلى الخطباء، والاستفادة منهم.

وجانب الموهبة التى يمنحها الله للإنسان وذلك بحب الخطابة، والميل إليها والانسجام معها.

6- قوة الملاحظة: يجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة؛ يقرأ من الوجوه خطرات القلوب، ومن اللمحات ما تكنه نفوسهم نحو قوله؛ ليجدد من نشاطهم، ويذهب بفتورهم ولتتصل روحه بأرواحهم، ونفسه بنفوسهم.

7- حضور البديهة: لتسعفه بالعلاج المطلوب إن وجد من القوم إعراضا، والدواء الشافى إن وجد منهم اعتراضا، وقد يلقي الخطيب خطبته فيعقب بعض السامعين معترضا، أو طالبا الإجابة عن مسألة، فإذا لم تكن البديهة حاضرة يجيب الخطيب إجابة سهلة موثقة وإلا ضاعت الخطبة، وآثارها. 8-طلاقة اللسان: تعد طلاقة اللسان من ألزم صفات الخطيب، وأشدها أثرا في انتصاره في ميادين القول.

9- رباطة الجاش: يجب أن يقف الخطيب مطمئن النفس، هادئ البال، قوى الجنان، غير هياب ولا وجل، وغير مضطرب ولا منفعل.

10- القدرة على مراعاة مقتضى الحال: يجب على الخطيب أن يكون قادرا على إدراك وضع الجماعة، وما تتطلبه من تذكير وإصلاح، وما يصلح لها من أساليب ملائمة، ومن توجيهات مناسبة يراعي فيها المصلحة واقتضاء الحال.

11- قوة العاطفة: يجب على الخطيب أن يمتلىء حماسة فيما يدعو إليه، واعتقادا بصدقه؛ لأن ما يخرج من القلب يدخل القلب فلا بد أن تكون حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه؛ ليفيض عليهم، ويروي غلتهم، وإلا أحسوا بفتور نفسه، فضاع أثر قوله.

12- النفوذ وقوة الشخصية: الخطيب الناجح هو الذي يتمتع بقوة الشخصية، وإشراقة الروح، وسداد الرأي، وسعة العلم، وتأثير نصائحه ومواعظه.

13- حسن الهيئة: يجب على الخطيب أن يراعي الهيئة الحسنة في زيه، ويهتم بكل ما يجعل هيئته حسنة، وأن تتزن حركاته، وعليه أن يبتعد عن الحركات سواء باليد أو الرأس أو غير ذلك، التي تجعل منه ممثلا رخيصا ومثارا للضحك والتندر.

زاد الخطيب:

إن الخطيب الناجح لا بد أن يتزود بزاد يتناسب مع مهنته، وأهم ما يتزود به الخطيب ما يلي:-

1- القرآن الكريم: ينبغى على الخطيب أن يكون وثيق الصلة بالقرآن، كثير التلاوة له، متقنًا تجويده، مجتهدًا في حفظه.

2- الحديث الشريف: على الخطيب أن يكون جليس كتب الحديث الشريف وأن يطلع على أكبر قدر من أبواب الحديث، كما عليه أن يحفظ قدرا كبيرا من الحديث يمكنه من الاستشهاد بسنة سيد الخلق في شتى المناسبات، ومختلف المجالات.

3- السيرة والتاريخ: ينبغى على الخطيب أن يهتم بقصص الأنبياء، ويدرس سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- دراسة خاصة من زوايا متعددة، ومراجع متنوعة.

4- الأحكام الفقهية: ينبغى على الخطيب أن يكون ملما بكثير من الأحكام الفقهية؛ ليقدم للناس الحلول العملية من الأحكام الإسلامية.

5- الحكم والأمثال: من أعظم الأساليب المؤثرة الحكم والأمثال، فهي كلمات مختصرة، تجمع خلاصة معانٍ، وحصاد تجارب لها أبعادها في النفس. والخطيب الموفق هو الذي يحرص على حفظ أكبر قدر من الحكم والأمثال ليستشهد بها في مواضعها.

6- السياسة والتيارات الفكرية: يجب على الخطيب أن يطلع على أحداث الناس وقضايا الساعة، ويقدم للناس فهم الإسلام في شتى ميادين الحياة.

التنسيق:

هو تنظيم أجزاء الخطبة، وإحكام تركيبها، وربط بعضها ببعض، ووضع أدلتها في شكل منتج؛ فالتنسيق هو بناء الخطبة، ونظام عقدها، وللخطبة ثلاث مراحل:

1- المقدمة.

2- الإثبات.

3- الخاتمة.

أولا: المقدمة

هي ما يجعلها الخطيب صدر خطبته؛ ليثير الفكر إليها، وليعطى السامعين صورة إجمالية لها، وليحصر لهم معانيه وأفكاره في نطاق لا يعدوه، ولا يتجاوزه وتشتمل المقدمة على ما يأتى:-

أ- حسن الافتتاح:

بالحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ. كما يجب أن يعنى الخطيب بافتتاح خطبته حتى يهيئ الأسماع لتتقبله بقبول حسن، ويشترط أن تحتوي المقدمة على حمد الله والثناء عليه وتوحيده وتنزيهه، وكذا ذكر الشهادتين؛ وللخطباء مذاهب شتى في افتتاحهم، وسنذكر بعضها على سبيل المثال، لا الحصر:

1- فمن الخطباء من يفتتح خطبته بما يشير إلى موضوعها، ويلوح بالقصد منها.

2- ومن الخطباء من يبتدئ خطبته بحكمة أو مثل سائر، أو بعض أقوال المتقدمين، أو آية قرآنية، أو حديث شريف يناسب المقام، ويكون حجة في الاستدلال، كخطيب يبتدئ خطبته في تعاون الجماعة في إصلاح حالها، وتقويم الفاسد من أمرها بتلاوة قوله تعالى: {{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}} .

3- ومن الخطباء من يفتتح خطبته بإحياء آراء قديمة للجماعة، يبنى عليها ما يدعوهم إليه من جديد، كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما أنذر عشيرته الأقربين؛ إذ سألهم عن صدق صدقه حديثه فقال صلى الله عليه وسلم: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيَّ؟ فقالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا”، فألقى عليه الصلاة والسلام خطبته.

4- يستحسن أن تبدأ الخطبة بحمد الله، وببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة التى تناسب المقام الديني الذي يتكلم فيه، ويجب أن يكون الافتتاح قصيرا موجزا، موافقا للموضوع.

ب- المقصد:

أن يذكر الخطيب في صدر كلامه الموضوع الذي سيتناوله إجمالا، من غير تفصيل؛ ليهيئ الأذهان لتلقيه، ولا بد عند ذكر المقصد من ملاحظة ثلاثة أمور:

أحدها: أن يذكره في قضية عامة، لا يبنيها على مقدمات، فإذا كان يريد أن يخطب جمعا يحثهم على إحياء القرآن الكريم بحفظه والعمل به، يقول مثلا: في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهكذا نرى الموضوع قد ذكر في قضية عامة.

وثانيها: أن يكون واضحا في الدلالة على الموضوع.

وثالثها: أن يلقَى في جملة تثير خيال النفس، وتهزها، فتنشط إلى سماع ما يقال، وتهتز أوتار القلب بكل ما يجيء به الخطيب من معانٍ وعبارات جيدة محكمة. جـ- تقسيم الخطاب:

إذا كانت الخطبة واسعة الأطراف، مترامية النواحى، كثيرة الشعب، كان عمل الخطيب أن يجمع أشتاتها، ويضبط أجزاءها، ويقسمها تقسيما جامعا لأطرافها وحواشيها.

ثانيا: الإثبات

هو موضوع الخطبة وغرضها، وهو الذي يستغرق معظم وقتها، وأفكارها، فينبغي على الخطيب مراعاة ما يلي:-

أ- أن تكون الأفكار منظمة، ومسلسلة، ومترابطة ووافية.

ب- أن يحسن الاستشهاد على كل فكرة في موضعها.

جـ- أن يتجنب الاستطراد الذي يخرجه عن الموضوع إلى موضوع آخر فآخر.

د- أن يحرص على ربط الموضوع بالواقع ودنيا الناس وآثاره في الحياة التي نعيشها.

ثالثا: الخاتمة

وهى آخر ما يلقى في ذهن المستمع، وآخر ما يتعلق بباله، وللخواتيم أهميتها العظمى في تحقيق أهداف الخطبة لذلك ينبغي على الخطيب أن يراعي ما يلي:-

1- أن تتضمن تلخيصا للموضوع يكون جامعا مركزا يجمع أطرافه التى استغرقت معظم الوقت ليضعها أمام المستمع في كلمات مختصرة.

2- أن تشتمل على النتائج التى يريد الخطيب استخلاصها والتوصل إليها. – أن تشتمل على توصيات، ودعوة للعمل، والسير نحو خطوة جديدة إلى الأمام.

4- الدعاء يستحب أن يكون مرتبطا بموضوع الخطبة ومعانيها.

التعبير:

1- يجب على الخطيب أن يعطي المعنى حقه واللفظ حقه، وأن يعتني بهما، وعليه أن يعرف أن تحسين اللفظ يجب أن يكون بجوار إحكام المعنى، وأنه لا غنى له عن المعنى المحكم؛ لأنه عمود الكلام والمقصد الاسمى، ولا عن اللفظ؛ لأنه بهاء القول وزينته، وعليه ألا يتكلف في اختيار اللفظ بل يجب أن يكون كلامه منسجما، متآخي النبرات، لا تنبو ألفاظه، ولا تتجافى عباراته، ولا يلجا في أسلوبه إلى العامية.

2- إن لكلمات الخطيب أثرا في أذن السامع، ولجرسها وقع في نفسه؛ فالسامع للخطيب يذوق، ويسمع ويفهم ويلاحظ النطق، ولذلك يجب أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق، لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها، وأن تكون ذات رنين خاص يهز أوتار النفس ويثير الشعور، ويجب أن تكون مقاطع الخطبة ذات وقع مؤثر، يلذ السمع، ويجمل الكلام.

الألفاظ:

نريد بالألفاظ الكلمات المفردة، وأهم خصائص مفردات الخطابة هي:-

1- أن يكون اللفظ واضحا مكشوفا وقريبا معروفا، من السهل إدراك معناه، والوصول إلى مرماه، لا يبعد عن مألوف السامعين.

2- ألا تكون الألفاظ مبتذلة أو عامية.

 

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

كنز الصبر – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة إذا وطّن الإنسان نفسه على الصبر وجاهدها عليه رأى ما يسُرُّه وأدرك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *