الجامع لحسن الخلق – طريق الإسلام

إن حسن الخلق في المرء سببٌ لفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة، وما استُجْلِبتِ الخيرات بمثله، ووجوده في الأمم أساس لقوامها، وعامل من عوامل الحفاظ عليها

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلاة الله وسلامه عليه.

 

إن حسن الخلق في المرء سببٌ لفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة، وما استُجْلِبتِ الخيرات بمثله، ووجوده في الأمم أساس لقوامها، وعامل من عوامل الحفاظ عليها؛ كما قيل:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت  **  فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا 

 

وإن الله جل وعلا بعث الأنبياء والرسل، ومنهم خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس في الدعوة إلى حسن الخلق، وجميل الشيم، وكريم الآداب، وقد أجمل صلى الله عليه وسلم البَعثة كلها في مكارم الأخلاق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق»؛ (رواه أحمد)، ولفظ البزار: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

 

معاشر المؤمنين:

وصف الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فأجمل وصفه، أعظم في مدحه؛ فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ولقد دعا الله عباده المؤمنين إلى التأسِّي به صلى الله عليه وسلم؛ فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، ومن التأسي به التأسي به في هذا الأمر العظيم؛ ألَا وهو حسن الخلق، فمن كان متأسيًا به صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق، كان من أحب الخلق إليه، وأقربهم منه منزلة يوم القيامة؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا»؛ (رواه الترمذي).

 

حسن الخلق يثقِّل الميزان، وأكثر ما يجعل العبد يحظى بأعالي الجنان؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق»؛ (رواه أبو دواد)، وعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِرَاء، وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه»؛ (رواه أبو دواد)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: «تقوى الله، وحسن الخلق»؛ (رواه الترمذي).

 

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه [الفوائد، ص: 54]: “جمع النبي بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله تُوجِب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو إلى محبته”.

 

حسن الخلق يدعو إلى أن يكون الشخص محبوبًا بين الخلق؛ يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممتنًّا عليه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، أفادت الآية أن سيئ الخلق ينفض عنه الناس، ولن يقدر المرء استيعاب الخلق كلهم إلا بحسن خلقه، فلو كثُرَ ماله، وعظُم سخاؤه، فلن يسَعَهم؛ ولهذا جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تَسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسطُ الوجه وحسن الخلق»؛ (رواه البزار).

 

وكما قيل:

أحسِنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم  **  فطالما استعبد الإنسان إحسانُ 

 

حسن الخلق هو الدين كله، تخلَّق مع الله بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وتخلَّق مع الخلق كلهم؛ يقول بعض العلماء: “من زاد عليك في الخُلُق، زاد عليك في الدين”، ومن ثَمَّ كان النبي المصطفى، والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلقًا؛ لكونه أكملهم إيمانًا، وأعظمهم تدينًا؛ ولهذا روى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا».

 

حسن الخلق مع علوِّ قدره، وعظم شأنه، ليس بصعب المنال، بل هو يسير على من وفقه الله وسهل عليه؛ روى أحمد في المسند والحاكم، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قسَّم بينكم أخلاقكم، كما قسَّم بينكم أرزاقكم»، مما يفيده هذا الحديث أن الله جل وعلا هو المتفضِّل بحسن الخلق، كما أنه هو الرازق، ومما هو معلوم أن الرزق يُنال بأمرين:

باللجوء إلى الله في تيسيره، والتوكل على الله في اكتسابه؛ في حديث أبي ذر في مسلم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكْسُكم».

 

السعي في طلبه من وجوهه المشروعة؛ قال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15].

 

وهكذا حسن الخلق يُنال بأمرين:

سؤال الله جل وعلا أن يرزقه حسن الخلق؛ روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت»، وروى أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم أحسنتَ خَلْقِي فأحْسِنْ خُلُقي».

 

الأمر الثاني مما يُنال به حسن الخلق: مجاهدة النفس وترويضها على التحلي بمكارم الأخلاق؛ روى الطبراني وغيره عن أبي هريرة، وأبي الدرداء رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهُ، ومن يتَّقِ الشر يُوقَه»، وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «ومن يستعفِفْ يُعفَّه الله، ومن يستغْنِ يُغْنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر».

 

وكما قيل:

والنفس كالطفل إن تتركه شبَّ على  **  حبِّ الرضاع وإن تفطِمْهُ ينفطمِ 

 

فبالمجاهدة للنفس وترويضها تتحلى بحسن الخلق.

 

معاشر المؤمنين:

حسن الخلق الحديث عنه وعن فضائله، لا يمكن أن نستوعبه في مقام واحد، بل يحتاج لعدة مقامات، فالحديث عنه بحرٌ لا ساحل له، ومن يريد استيعابه في مقام واحد، كمن يريد أن يجعل البحر في إناء.

 

ولهذا نذكر كلام عالم من علماء المسلمين، في الجامع لحسن الخلق؛ ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (جامع العلوم والحكم)؛ فقال: “وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح، عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال: جماع آداب الخير وأزِمَّته، تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت»؛ (رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»؛ (رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه)، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية: «لا تغضب»؛ (رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه»؛ (رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه)”.

 

فالحديث الأول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت»، يرشد ويوجه إلى ضبط اللسان؛ قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسُّنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء، ومن ضبط لسانه نجا؛ روى الترمذي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صمت نجا»، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمْسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْك بيتك، وابكِ على خطيئتك».

 

وكما قيل:

احذر لسانك أيها الإنســــــــانُ  **  لا يلدغنَّك إنه ثعبـــــــــــانُ 

كم في المقابر من قتيلِ لسانه  **  كانت تهاب لقاءه الشجعانُ 

 

وقال آخر:

احذر لسانك أن تقول فتُبتلى  **  إن البلاء مُوكَّل بالمنطقِ 

 

من ضبط لسانه سلِم من الخطايا، وسلِم من ولوج النار؛ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه، فقال: ((يا لسان، قُلْ خيرًا تغنَم، واسكت عن شرٍّ تَسْلَم، من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثر خطايا ابن آدم في لسانه»؛ (رواه الطبراني).

 

وعند الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بلسانه فقال: «كُفَّ عليك هذا» ، فقلت: يا نبي الله، وإنا لَمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكِلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم – أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم».

 

والحديث الثاني:  «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» يرشد إلى ترك الفضول؛ فضول القول، والسماع، والنظر، فلا تقل ولا تتكلم بما لا يعينك، أما يعينك، فعليك به من أمر بمعروف أو نهي عن منكر؛ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيه))؛ (رواه الترمذي في الشمائل)، وهكذا لا تسمع ما لا يعنيك؛ روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن استمع إلى حديثِ قومٍ وهم له كارهون أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنُكُ يوم القيامة»؛ أي: الرصاص الْمُذاب، وهكذا لا تنظر إلى ما لا يعنيك، ومن ترك فضول الكلام، والسماع، والنظر، فَقَدَ حقًّا خُلُقَ الإسلام العظيم؛ وهو الحياء؛ روى الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حق الحياء» ، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء»، والفضول في هذه الأمور مضيعة للوقت.

 

والحديث الثالث:  «لا تغضب» يرشد ويوجه إلى ضبط النفس، وعدم الانسياق مع انفعالات النفس ورُعُونتها، والغضب يجمع الشر كله؛ ولهذا في رواية عن أحمد: ((قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله))، نعم، فهو يُغضِب الرحمن، ويُرضي الشيطان، بل يصل بالبعض إلى الكفر، والغضب سبب لأكثر المشاكل، والخصومات، والمنازعات، فيقع الطلاق، ويقع القتل، تبدأ مشاجرة عادية ثم تتطور شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى القتل والطلاق وغير ذلك، فالواجب أن يمسك العبد نفسه عند الغضب؛ في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، ويستعيذ بالله من الشيطان؛ في الصحيحين قال سليمان بن صرد: ((استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا، قد احمرَّ وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لَأعلم كلمةً لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)» )، وعند ذلك يكرمه الله بالجنة، والحور العين؛ روى الطبراني عن أبي الدرداء، قال: ((قلت: يا رسول الله، دُلَّني على عمل يدخلني الجنة، قال: «لا تغضب، ولك الجنة»، وعند الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كظم غيظًا وهو يستطيع أن يُنْفِذَه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في أي الحور شاء».

 

والحديث الرابع:  «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» يرشد إلى سلامة قلب المؤمن تجاه إخوانه المسلمين، فلا يكون فيه غلٌّ، ولا حقد، ولا حسد، ولا كِبر، ولا غيرها من أدواء القلوب، وهذا من أفضل الناس؛ روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد»، وهذا الحديث يدعو المسلم إلى أن يكون قلبه ممتلئًا حبًّا وخيرًا للمسلمين، وهذا من كمال الإيمان، والإسلام، وسبب للفوز بالجنة، والنجاة من النار؛ ففي مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه – أو قال لجاره – ما يحب لنفسه»، والحب يكون حب الخير؛ ولهذا الحديث رواية رواها أحمد والنسائي بلفظ: «لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه من الخير»، عند الترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن» ؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدَّ خمسًا، وقال: «اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسِنْ إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تُميتُ القلب»، وعند مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن أحب أن يُزحزح عن النار، ويُدخَل الجنة، فلْتَأْتِهِ مَنِيَّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه»، وروى أحمد عن يزيد بن أسد رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا يزيد بن أسد» ، أتحب الجنة؟ قال: قلت: نعم، قال: «فأحِبَّ لأخيك ما تحب لنفسك»، وقال له أيضًا: «أحب للناس الذي تحب لنفسك»، هذا حديث عظيم جدًّا، قاعدة عظيمة جدًّا، أن تحب للناس ما تحب لنفسك، ولا شك ولا ريب أن الإنسان يحب الخير لنفسه، فعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، فلا تعتدِ على أحد في نفسه، وماله، وعِرضه، فأنت لا تحب أن يعتديَ عليك في ذلك، وأما من أحب الخير لنفسه، وأراد الشـر والإضرار بغيره، فقد توعَّده الله تعالى بالويل؛ قال جل وعلا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 – 3].

 

اللهم اعفُ عنا، واغفر لنا، وارحمنا، واهدِنا لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها؛ لا يصـرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم كما أحسنت خَلْقَنا، فأحسن خُلُقنا، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

___________________________________________________
الكاتب: جمال بن محمد الحرازي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *