نزلت هذه الآية أول ما نزلت في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ثم هى من بعدهم عامة في خطاب كل مؤمن ومؤمنة
أيها الإخوة الكرام: يقول رب العالمين سبحانه وتعالى {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ }
هذه الآية وردت في سورة الأنفال {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ }
نزلت هذه الآية أول ما نزلت في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ثم هى من بعدهم عامة في خطاب كل مؤمن ومؤمنة
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ﴾ } المنادي في هذه الآية هو الله سبحانه وتعالى ، والمنادى عليه (أنتم) {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ﴾} المنادي في هذه الآية هو رب العالمين، والمنادى عليه كل مؤمن ومؤمنة، ومضمون النداء وسببه أمر من الله تعالى أن تستجيب الأمة لأمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ففي الاستجابة لأمر الله تعالى حياة ونجاة وسعادة في المعاش والمعاد { ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ﴾ }
في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، وفي السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء قولوا سمعنا وأطعنا {﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا۟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ }
أمر الله تعالى أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا، أمر الله بصلة الرحم، وبر الوالدين، وحسن الجوار ..
الله يدعو إلى دار السلام، الله يأمر بالقسط، الله يأمر بالعدل، الله يأمر بالإحسان، وإيتاء ذي القربى، الله يأمر بأن تؤدى الأمانات إلى أهلها، ويأمرنا إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل، الله يأمر أن نعط كل ذي حق حقه..
أمر الله تعالى بالصلاة المكتوبة وأمر بالزكاة المفروضة وأمر بصيام رمضان وأمر بحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا..
أمر الله تعالى بالصدق والصبر وسعة الصدر وكظم الغيظ، والوفاء والرحمة والعفو والكرم الأخلاق..
أمر الله تعالى بالصالحات أن اعملوها، وسارعوا إليها، وتسابقوا فيها ونهى عن السيئات أن اجتنبوها ولا تقربوها..
نهى سبحانه وتعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، نهى عن المنكر، نهى عن البغي، نهى عن تتبع عورات الناس، نهى عن الغمز، واللمز، وعن الغيبة والنميمة، وسوء الظن بالناس، نهى عن فضول النظر، وعن فضول الكلام
أمر الله تعالى بالصالحات أن اعملوها، ونهى عن السيئات أن اجتنبوها ولا تقربوها.. فمن ذا الذي يستجيب؟؟ فمن ذا الذي يسمع؟ ومن ذا الذي يطيع؟
قال الله تعالى {﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ ﴾ } هذه بعض آية من سورة الأنعام {﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ ﴾ } أي إنما يسمع ويطيع ويخشع ويخضع ويسلم ويستسلم ( الذين يسمعون)..
والذين يسمعون في هذا الموضع هم الذين يفهمون، الذين يسمعون هم الذين يعقلون، هم الذين يتقبلون عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. يسمعون لأنهم أحياء بعقولهم السوية وقلوبهم المؤمنة..
{﴿ وَمَا عَلَّمْنَٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنۢبَغِى لَهُۥٓ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ ﴾ ﴿ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا ﴾ }
أما الكفار فهم بقلوبهم الخبيثة وعقولهم المريضة (موتى) أماتهم كفرهم وصدهم عن سبيل الله عز وجل والله تعالى يقول {﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾}
ومواقف استجابة المؤمنين لأوامر الله تعالى، ولأوامر النبي صلى الله عليه وسلّم أجل من أن تحصى ..
ولأننا هذه الأيام نعيش أيام شهر شعبان نقول:
قد كان للمسلمين استجابة سريعة لأمر الله تعالى في مثل هذه الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه في شعبان من العام الثاني من الهجرة أمر الله تعالى بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، بعد أن استقبل المسلمون المسجد الأقصى في صلواتهم نحو عام ونصف العام
قال الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام { ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾}
قوبل هذا الأمر من الحكيم العليم سبحانه وتعالى ( بالتشكيك وبالقيل وبالقال) من قبل المنافقين وضعاف الإيمان وفيهم أنزل الله هذه الآية {﴿ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُوا۟ عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾}
وقوبل أمر تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام (بقبول وسمع وطاعة واستجابة) من المؤمنين الصادقين المصدقين
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، « بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ، فَقَالَ : أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» .
وفيهم أنزل الله {﴿ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَىٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ ۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ }
كان تحويل القبلة ابتلاء للصفوف، وامتحانا للقلوب، واختبارا كبيرا دقيقا في السمع والطاعة..
بهذا الابتلاء، وبهذا الاختبار ميز الله الخبيث من الطيب، فمن استجاب نجح نجاحا ليس بعده رسوب، ومن اعترض وشكك رسب رسوبا ليس بعده نجاح.. قال الله تعالى { ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾}
استجابة المؤمنين الفورية والسريعة لله تعالى في مواقف كثيرة وتحديدا في حادث ( تحويل القبلة) دلل به المؤمنون على كمال الإيمان دللوا باستجابتهم على أنهم مازالوا بيقينهم في ربهم، وبيقظة عقولهم، ونقاء صدورهم، ما زالوا أحياء يسمعون ويعقلون
قال الله تعالى {﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ ﴾.. ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾}
وقال {﴿ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَحْيَآءُ وَلَا ٱلْأَمْوَٰتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ ﴾ ﴿ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحبب إلينا الإيمان، وأن يزينه في قلوبنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
لأنه ليس من الحكمة تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولأن الله تعالى يقول {﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ }
أذكركم بليلة النصف من شعبان وقد أصبحنا منها على بعد أيام نكاد نعدها على بعض أصابع اليد الواحدة..
ليلة النصف من شعبان ليس فيها قيام مخصوص بسور مخصوصة وثواب مخصوص وكل ما ورد أنه في ليلة النصف من شعبان من صلى فيها عددا من الركعات وقرأ فيها بعدد من السور والآيات فله كذا وكذا من الأجر والثواب كل هذا كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
في صبيحة ليلة النصف من شعبان يوم الخامس عشر من شعبان ليس فيه أيضا صيام مخصوص بأجر مخصوص هذا كله أيضا كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
وما ستقرءون وما تسمعون هذه الأيام من مثل هذا الكلام ” إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا، وَصُومُوا نَهَارَهَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ : أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟ أَلَا من مريض فَأُعَافِيَهُ ؟ أَلَا كَذَا ؟ أَلَا كَذَا ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ “. ستقرءون وستسمعون مثل هذا وهو كذب (ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام)
ما ( قبل) في فضل ليلة النصف من شعبان إلا حديثين اثنين فقط عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيهما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ميزة كبيرة وفضيلة جليلة لليلة النصف من شعبان
ورد في الحديثين أن ليلة النصف من شعبان ليلة رحمة وليلة إنعام وليلة مغفرة لكل مؤمن ومؤمنة..
مغفرة مغلفة بالكرم، مزينة بالإحسان، مكسوة بالإنعام فضلا من الله سبحانه وتعالى.. مغفرة بلا طلب، بلا سهر، بلا نصب ، بلا دعوة، بلا سؤال فضلا وكرما من الله سبحانه وتعالى..
بشرط واحد: وكلنا يملك هذا الشرط ( إن أراد)..
وهو أنك كمسلم تخلو ساحتك من أذية الناس، وتخلو ذمتك من الشحناء، ومن مظالم العباد.. عندها فقط يغفر لك..
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : ” « إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» “.
نسأل الله بأسماءه الحسنى صفاته العلى أن يصلح بيننا وأن يؤلف بين قلوبنا إنه سبحانه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
Source link