زلازل الدنيا قد جاء ذكرها في آيات من القرآن الكريم, وأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام, وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم, وقد يسّر الله الكريم لي فجمعت بعضاً منها
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين…أما بعد: فزلازل الدنيا قد جاء ذكرها في آيات من القرآن الكريم, وأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام, وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم, وقد يسّر الله الكريم لي فجمعت بعضاً منها, وذكرت أقوال أهل العلم في تفسيرها, وشرحها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
- الزلازل من عذاب الله في الدنيا لأهل التكذيب والعصيان:
& قال الله سبحانه وتعالى: {﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾} [الأنعام: 65]
قال الإمام البغوي رحمه الله: {﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾} يعني: الرجفة والخسف. وقال الإمام القرطبي رحمه الله: {﴿ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾} الخسف والرجفة, كما فعل بقارون وأصحاب مدين.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: {﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ } عن مجاهد قال: الرجفة والخسف وهما عذاب أهل التكذيب.
وقال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله: {﴿ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾} كالزلزال والخسف ونحوهما.
والرجفة هي الزلزلة, قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: الرَّجفُ: الاضطراب الشديد, يقالُ رجفت الأرض والبحرُ. وقال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: أصل الرجف: الحركة والاضطراب. وقال العلامة العثيمين رحمه الله: الزلازل…هي الرجفة.
- من عذاب قوم صالح: الزلزلة:
& قال الله عز جل: {﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ } [سورة الأعراف:78] قال الإمام البغوي رحمه الله: {﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾} وهي زلزلة الأرض وحركتها, وأهلكوا بالصيحة والرجفة. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: جاءتهم صيحة من السماء, ورجفة شديدة من أسفل منهم, ففاضت الأرواح, وزهقت النفوس في ساعة واحدة. وقال الإمام القرطبي رحمه الله: {﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾} أي: الزلزلة.
- من عذاب قوم شعيب: الزلزلة:
& قال الله عز جل عن قوم شعيب: {﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾} [سورة الأعراف:91 ] قال الإمام الشوكاني رحمه الله: : {﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾} أي: الزلزلة, وقيل الصيحة. وقال العلامة السعدي رحمه الله: {﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾} أي: الزلزلة الشديدة.
& قال الله عز وجل: {﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾} [العنكبوت:37] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أهلكهم الله برجفة عظيمة زلزلت عليهم, وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها.
- الزلازل من جهة المشرق:
& عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((اللهم بارك لنا في مدينتنا, وفي صاعنا, ومدنا, ويمننا, وشامنا )) ثم استقبل مطلع الشمس فقال: (( من ها هنا يطلعُ قرنُ الشيطان من ها هنا الزلازل والفتن )) » [أخرجه أحمد, قال محققو المسند: حديث صحيح, رجاله ثقات رجال الصحيح غير بشر بن حرب, فقد روى له النسائي وابن ماجه وفيه ضعف, لكن يعتبر به في الشواهد والمتابعات]
ــــــــــــــــــــ
& وعنه رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «(( اللهم بارك لنا في شامنا, اللهم بارك لنا في يمننا .)), قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا. قال: ((اللهم بارك في شامنا, اللهم بارك في يمننا.)) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا, فأظنه قال في الثالثة: (( هناك الزلازل والفتنُ, وبها يطلع قرن الشيطان ))» [أخرجه البخاري في الصحيح] قال الإمام الخطابي رحمه الله: نجد: ناحية المشرق, ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها, وهي مشرق أهلها, وأصل النجد: ما ارتفع من الأرض, والغور: ما انخفض منها, وتهامة كلها من الغور, ومنها مكة.
& وعنه رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اللهم بارك في صاعنا, وفي مدنا, فرددها ثلاثاً )) فقال رجل: يا رسول الله ولعراقنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بها الزلازل والفتن, ومنها يطلع قرن الشيطان))» [أخرجه الطبراني قال الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي سنده صحيح]
- الزلازل من عذاب أمة الإسلام في الدنيا:
& عن أبي موسى رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمتي هذه أمة مرحومة, ليس عليها عذاب في الآخرة, عذابها في الدنيا: الفتن, والزلازل, والقتل» [أخرجه أبو داود, وأحمد, وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (959), وقال: قال الحاكم: صحيح الإسناد, ووافقه الذهبي, وقال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون: سنده حسن]
قال الصديقي العظيم آبادي رحمه الله: [ ليس عليها عذاب في الآخرة] أي من عُذّب منهم لا يُعذب مثل عذاب الكفار. وقال القاري في المرقاة: بل غالب عذابهم أنهم مجزيون بأعمالهم في الدنيا بالمحن والأمراض وأنواع البلايا.
ــــــــــــــ
& عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل»[أخرجه الإمام البخاري في الصحيح] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل, ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله : ( وتكثر الزلازل ) المراد بالزلازل : زلازل الأرض, فتكثر زلازل الأرض في المكان القريب والبعيد, ويمكن أن يُقال : إن الزلازل تشمل الزلازل المعنوية التي تكون بالأفكار الرديئة المنحرفة, إذ تُنشر فيأتي الفكر الخبيث, ويأتي ما هو أخبث منه وأشرُّ.
- الزلازل والبلابل والأمور العظام:
& عن عبدالله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه, قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا فلم نغنم شيئاً, وعرف الجهد في وجوهنا, فقام فينا خطيباً, فقال: (( اللهم لا تكلهم إلى فأضعف عنهم, ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها, ولا تكلمهم إلى الناس فيستأثروا عليهم )) ثم وضع رأسه على رأسي, أو قال: على هامتي, ثم قال: (( يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام, والساعة يومئذ أقربُ من الناس من يدي هذه من رأسك» .[ أخرجه أبو داود, وصححه الألباني برقم: 7838, في صحيح الجامع] قال الإمام الخطابي رحمه الله: البلابل: الهموم والأحزان, وبلية الصدر: وسواس الهموم, واضطرابها فيه. وقال العلامة السهارنفوري رحمه الله: [الأمور العظام] من الدواهي والفتن, [الساعة] القيامة, والمراد بالساعة أشراطها.
ـــــــــــــــــ
- سنوات الزلازل بعد الموت الكثير الوقوع:
& عن ضمرة بن حبيب قال: سمعت مسلمة السكوني قال: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال قائل: يا رسول الله هل أُتيت بطعام من السماء ؟ قال: (( نعم )), قال: فما فُعٍلَ به ؟ قال: (( رفع إلى السماء, وقد أُوحي إلي أني غير لابث فيكم إلا قليلاً, ثم تلبثون حتى تقولوا: متى متى ؟ ثم تأتوني أفناداً, يفني بعضكم بعضاً بين يدي الساعة موتان شديد, وبعده سنوات الزلازل.)) [أخرجه الإمام الدارمي في باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم بنزول الطعام من السماء» , وأخرجه ابن حبان في صحيحه, وصححه العلامة الألباني برقم:1558, في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان.]
قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله تعالى: المُوتان, بوزن البُطلان: الموتُ الكثير الوقوع.
- خروج المهدي على اختلاف من الناس وزلازل:
& عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشركم بالمهدي يُبعث على اختلاف من الناس, وزلازل» …الحديث)) [ أخرجه الإمام أحمد, قال الإمام الهيثمي رحمه الله: رواه أحمد بأسانيد, وأبو يعلى باختصار كثير, ورجالهما ثقات.]
- الزلازل عقوبة من الله:
& قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وقد زلزلت المدينة: لئن عادت لا أساكنكم فيها.
& قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد
ـــــــــــــــ
& عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: يوشك ألا تجدوا بيوتاً تكنكم, تهلكها الرواجف.
- المعاصي من أسباب الزلازل:
& عن كعب الأخبار رضي الله عنه, قال: إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها المعاصي، فترعد فرقًا من الرب جل جلاله أن يطلع عليها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: من تأثير المعاصي في الأرض: ما يحلّ بها من الخسف والزلازل ومحق بركتها.
إن ما يحدث في زماننا من زلازل كثيرة متوالية في أماكن متفرقة, لعبرة وعظة فلنبادر عاجلاً بالتوبة من جميع الذنوب, ولنحذر من مبارزة الجبار بالمعاصي, فما أصاب غيرنا قد يصيبنا, فلنحذر فجأة العذاب وبغتته. نسأل الله أن يهدينا, وأن يمنَّ علينا بالتوبة النصوح.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
Source link