كان رسول الله ﷺ في أموره كافة أسوة يُقتدي بنهجه، ويُهتدي بهديه، كيف لا وهو صفوة الله إلى خلْقه، ورحمة منه إلى عباده. وكان ﷺ قدوة في عبادته ومعاشه، في اجتماعه وانفراده، في ليله ونهاره، وفي غير ذلك.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أموره كافة أسوة يُقتدي بنهجه، ويُهتدي بهديه، كيف لا وهو صفوة الله إلى خلْقه، ورحمة منه إلى عباده. وكان صلى الله عليه وسلم قدوة في عبادته ومعاشه، في اجتماعه وانفراده، في ليله ونهاره، وفي غير ذلك.
وفي هذه العُجالة نقف عند خبره صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه، لنتبين أمره في ذلك، ونقتدي به، ونحذوا حذوه.
فقد كان صلى الله عليه وسلم على صلة دائمة بخالقه، ومستحضراً لعظمته، راغباً في لقائه، وراهباً من حسابه وعقابه. وكان إذا أراد أن يعطي جسده حقه من الراحة بعد عناء نهار طويل استحضر ذكره تعالى، وتوجه إليه داعياً: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي» (رواه مسلم)، فهو صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلد إلى نومه يحمد ربه على ما أنعم عليه من نعمة الطعام والشراب والإيواء، التي حرم منها كثير من الناس، فكم من أناس أمضوا نهارهم وباتوا ليلهم دون أن يجدوا الحد الأدنى مما يقيم أودهم، ويكفي حاجتهم، فهذه النعم ينبغي أن تتبع دوماً بالحمد والشكر لمانحها، لا بالكفر والنكران.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم إذا أسلم النفس لراحتها ذكَّرها بأن أمرها أولاً وآخراً بيد بارئها لا بيد أحدٍ غيره، فقال داعياً: «اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت» (متفق عليه).
ففي هذا الدعاء بيان للحال الذي على المسلم أن يكون عليها وهو على فراش نومه، إنه حال الاستسلام والتسليم إلى خالق النفس وبارئها. وقريب من هذه الدعاء دعائه صلى الله عليه وسلم على تلك الحال بقوله: «باسمك رب وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» (متفق عليه).
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه للنوم أن يضع يده تحت خده الأيمن داعياً: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك» (رواه أبو داود وأحمد). وكان يكرر ذلك ثلاث مرات، مما يدل على أنه صلى الله عليه سلم كان دائم حضور القلب مع خالقه.
ثم إن من هديه صلى الله عليه سلم أنه إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه، وتفل فيهما قارئاً المعوذات: قل هو الله أحد، قل أعوذ برب القلق، قل أعوذ برب الناس، ماسحاً بهما جسده، تحصيناً له من شر الإنس والجن.
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن أنه إذا نام لم يستغرق الليل كله في النوم، بل كان يقوم من الليل متهجداً، وذاكراً لربه منيباً إليه، مستحضراً قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} [السجدة:16]
وكان صفة قيامه في ليله، أن يطيل القيام وهو يناجي ربه. وقد وصفت أم المؤمنين عائشة طول قيامه فقالت: (كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، فقيل له: لم تشق على نفسك كل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فأجاب إجابة العارف لقدر خالقه: «أفلا أكون عبداً شكوراً» (متفق عليه).
ومما له دلالته في هذا السياق، أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام نامت عيناه فحسب دون أن ينام قلبه، وهذا مما اختصه به سبحانه دون غيره من عباده، وهو ما يؤيد ما ذكرناه مراراً من أنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الحضور مع ربه، مستحضراً لعظمته، راغباً في لقائه، وراهباً من عذابه.
أما استيقاظه وانتباهه صلى الله عليه وسلم من نومه، فقد كان كذلك على ذكر الله، كباقي أحواله، فإذا انتبه من نومه دعا ربه وحمده على نعمة الحياة بعد تلك الموتة، فكان يقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» (رواه أبوداود).
بل ومرة قام صلى الله عليه وسلم من الليل فقرأ الآيات من أواخر سورة آل عمران من قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض} إلي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا}، وهذا مما يشير إلى إحدى حالات إنتباهه صلى الله عليه وسلم من نومه وكيف كانت.
وبعد أخي الكريم ـ فهذا قليل من كثير من هديه صلى الله عليه وسلم في نومه وقيامه وانتباهه، كتبناه تذكيراً لنا ولك عسى الله أن يوفقنا للاهتداء بهدي خير خلقه واتباع سننه لننال وعده سبحانه حيث قال: {وإن تطيعوه تهتدوا} [النور54]. وقال أيضاً: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران31] والله الموفق.
Source link