منذ حوالي ساعة
مشروعية الصلاة على غير النبيﷺ، ورأي الأئمة في ذلك.
عن عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ»، فَأَتَاهُ أَبِي أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».
شرح ألفاظ الحديث:
«آلِ أَبِي أَوْفَى»: أبو أوفى: اسمه علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة.
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ»: الصلاة لغة الدعاء، ومنه قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103]؛ أي: ادع لهم.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على مشروعية الصلاة على من قدم بصدقته، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أتاه قوم بصدقتهم قال لهم: «اللَّهُمَّ، صَلِّ عَلَيْهِمْ»، وقد أمره الله عز وجل بذلك، فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
واختلف هل هذا خاص بالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أم عام لكل من استقبل صدقة ليقسمها على مستحقيها؟ على قولين أصحهما أنه عام لكل من استقبل زكاة ليقسمها أن يدعو لدافع الزكاة، فيقول: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْك))، أو ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فلان))، فمن السنة لمن أتاه أحد بصدقته ليقسمها أن يأخذها منه ويصلي عليه كما تقدم، وقال أهل الظاهر بالوجوب استدلالًا بالأمر الذي في الآية: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}، والصواب أنها سُنة، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبعث السُّعاةَ لأخذ الصدقة، ولم يأمرهم بقول ذلك لهم.
قال النووي – رحمه الله -: مذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن الدعاء لدافع الزكاة سُنة مستحبة، ليس بواجبٍ، وقال أهل الظاهر: هو واجب واعتمدوا الأمر في الآية، قال الجمهور: الأمر في حقنا للندب؛ لأن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعث معاذًا وغيره لأخذ الزكاة ولم يأمرهم بالدعاء.
الفائدة الثانية: استدل بعض أهل العلم – رحمهم الله – بحديث الباب على جواز الصلاة على غير الأنبياء مطلقًا، واستدلوا أيضًا بحديث جابر – رضي الله عنه – أن امرأة قالت للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صلِّ عليَّ وعلى زوجي، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «اللهم صلِّ عليكِ وعلى زوجك»؛ (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني).
والقول الثاني: أنه لا يُصلى على غير الأنبياء مفردًا، ولا بأس بالصلاة عليهم تبعًا، وهو قول الشافعي ومالك رحمهم الله.
واستدلوا:
1) بالأحاديث الواردة في الصلاة على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – حال التشهد في الصلاة، فيقول: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»، وأيضًا: «اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته…»، وهي صيغ جاءت في الصحيحين تدل على جواز الصلاة تبعًا لا استقلالًا، فيجوز أن تقول: اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته وأتباعه، وقالوا: إن الصلاة مفردًا على شخص معين شعار أهل البدع كالرافضة الذين يصلون على الأئمة دون غيرهم.
وأصحاب هذا القول أكثرهم على أن المنع للكراهة لا التحريم، والأظهر والله أعلم: الجواز؛ لأنه من جملة الدعاء، والله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، وترك ذلك والدعاء بعامة الدعاء أسلم وأبعد عن الخلاف، فيقول: اللهم اغفر لفلان اللهم ارحمه، ونحو ذلك.
مع التنبيه إلى أن ملازمة الصلاة على شخص بعينه دون غيره، فيها مشابهة لأهل البدع، فتكون بدعة حينئذ والله أعلم.
والدعاء أسلم وأبعد عن الخلاف، فيقول: اللهم اغفر لفلان اللهم ارحمه، ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حين سئل: هل يجوز أن يصلَّى على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن يقال: اللهم صلِّ على فلان؟ فأجاب – رحمه الله -: الحمد لله قد تنازع العلماء: هل لغير النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن يصلى على غير النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم مفردًا؛ على قولين: أحدهما: المنع وهو المنقول عن مالك والشافعي، واختيار جدي أبي البركات رحمهم الله جميعًا.
والثاني: أنه يجوز وهو المنصوص عن أحمد، واختيار أكثر أصحابه؛ كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر – رحمهم الله جميعًا – واحتجوا بما رُوي عن علي – رضي الله عنه – أنه قال لعمر – رضي الله عنه -: صلى الله عليك، واحتج الأولون بقول ابن عباس – رضي الله عنهما: لَا أَعْلَمُ الصَّلَاةَ تَنْبَغِي مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَهُ لما ظهرت الشيعة، وصارت تظهر الصلاة على علي – رضي الله عنه – دون غيره، فهذا مكروه منهي عنه، كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما – وأما ما نُقل عن علي – رضي الله عنه – إذا لم يكن على وجه الغلو، وجعل ذلك شعارًا لغير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو نوع من الدعاء وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه، وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي فيه ما لم يُحدث»؛ [مجموع الفتاوى 22/ 473].
وقال في موضع آخر: وذهب أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك؛ أي الصلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – لأن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: صلى الله عليك، وهذا القول أصح وأَولى، ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي – رضي الله عنه – أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بحيث يجعل ذلك شعارًا معروفًا باسمه هذا هو البدعة؛ ا.هـ؛ [مجموع الفتاوى 2/ 90].
Source link