وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ – محمد سيد حسين عبد الواحد

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ

أيها الإخوة الكرام: يقول رب العالمين سبحانه وتعالى

{﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا۟ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ }

هذه الآية من سورة الحديد، وسورة الحديد من السور المدنية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلّم بعد الهجرة ومنها هذه الآية:

{﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا۟ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ }

هذه الآية دعوة للجهاد في سبيل الله عز وجل، جهاد بالمال، جهاد بالنفقة في سبيل الله عز وجل..

هذه الدعوة بدأها الحكيم العليم سبحانه وتعالى بعتاب للمؤمنين

قال {﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾} أي وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله، وإن ما تحت أيديكم إنما هو مال الله سبحانه وتعالى وأنتم فقط فيه مستخلفين {﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ ﴾}

كل آية في القرآن الكريم تكلم فيها رب العالمين سبحانه وتعالى عن الجهاد في سبيل الله تعالى قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس

قال عز من قائل: {﴿ ٱنفِرُوا۟ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾}

وقال { ﴿ لَّا يَسْتَوِى ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُو۟لِى ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾}

وقال {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَٰرَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ ﴿ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾}

كل آية في القرآن الكريم تكلم فيها رب العالمين سبحانه وتعالى عن الجهاد في سبيل الله تعالى قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس إلا آية واحدة {﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ ﴾}

في إشارة إلى أن الإنسان يحرص على ماله أكثر من حرصه على روحه التي بين جنبيه، فقد يكون المال عند بعض الناس أعز من الروح..

من هنا كانت الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله بالمال أكثر ورودا في القرآن والسنة من الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله بالنفس لشدة حرص الإنسان عليه قال الله تعالى {﴿ وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾} وقال {﴿ وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾}

ولأن تعلق الإنسان بماله يفوق تعلقه بروحه، ولأن حب الإنسان لماله يفوق حبه لأي شيء آخر، كانت النفقة في سبيل الله تعالى أحد أعظم الصالحات أجرا..

{﴿ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا ﴾ ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾﴿ فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَلَقَّىٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ ﴿ وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ }

وكلما كانت النفقة في سبيل الله في وقت شدة، وفي وقت حاجة الناس إليها، وافتقارهم إليها كانت النفقة أعظم أجرا..

وفي آية الحديد بيان ذلك {﴿ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا۟ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾}

فلو أن نفقة خرجت في وقت يسر، وأخرى خرجت في وقت عسر لكانت النفقة في وقت العسر أعظم من أختها أجرا..

{﴿ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا۟ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ }

أما الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا : فهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله ساعة أن كان الإسلام ضعيفا، ساعة ان كان المسلمون فقراء مستضعفون مطرودون بالأبواب، السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار جاهدوا بأموالهم أيام الخوف والجوع والمشقة.. وذلك كله قبل فتح مكة، في وقت كان الإنفاق والجهاد فيه أشق على النفس ،فكان الثواب على قدر المشقة .

{( لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ )  }

فأصحاب الصالحات وإن كانوا جميعا على خير إلا أنهم ليسوا سواء، تتفاوت الدرجات فيما بينهم، وتتفاوت الأجور ( قلة وكثرة) تبعا للوقت الذي وقع فيه العمل..

فالعمل الصالح له في وقت الرخاء أجر، وله في وقت الشدة أجر أعظم، والنفقة في السراء لها أجر، ولها في وقت الضراء أجر أعظم

{﴿ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا۟ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ }

قال المفسرون: هذه الآية أصل فى تفاضل أهل الفضل فيما بينهم ، وأن الفضل ثابت لهم جميعا إلا أنهم تفاوتوا على حسب الوقت الذي وقعت فيه أعمالهم وجهادهم وسبقهم .

الشاهد من كل ما سمعتم:

ضرورة التأسي بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، ذلك أننا اليوم نعيش فترة استثنائية في حياة هذا الجيل، الجيل الذي توالت عليه الأزمات، وتعددت عليه النكبات، وتتابعت عليه المحن والملمات، فالناس في كرب شديد، والسبل ضاقت بكثير من الناس، فمن استطاع أن يساعد غيره فليساعده، ومن استطاع أن ينفع غيره فلينفعه، ومن استطاع أن يخفف عن الناس ويرحمهم فإن الله تعالى شاكر عليم.

{﴿ لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَٰتَلَ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَقَٰتَلُوا۟ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ }

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعجل لنا بفرج قريب إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

الخطبة الثانية

بقى لنا في ختام الحديث أن نقول: إن قول الله تعالى {( لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ )} . هذه الآية لخير شاهد على فضل أصحاب النبي عليه وسلّم على كل أحد غيرهم..

هم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين -عليهم الصلاة والسلام- فعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قول الله عز وجل ( { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} ) قال : هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم .

هم الذين آمنوا ولم يكن من المؤمنين على وجه الأرض أحد غيرهم، وهم الذين صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين كذبه الناس، وهم الذين نصروه حين حاربه الناس، وهم الذين اتبعوه في ساعة العسرة، وهم الذين حفظوا الإسلام ونقلوا لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم كاملة غير منقوصة، وهم الذين أنفقوا في سبيل الله وقتلوا في سبيله وقت الضعف والشدة والخوف والجوع، فليس أحد من الأمم خير من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ولا قريبا منهم..

وأول ما نزلت هذه الآية نزلت فيهم رضوان الله تعالى عليهم {﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾}

وهذه الآية أيضا أول ما نزلت.. نزلت فيهم رضوان الله تعالى عليهم {﴿ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا۟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾}

وفيهم انزل الله قوله {{قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}}

نشهد الله تعالى على حبنا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحب الله لهم ولحب رسول الله لهم، ولما لهم علينا من حق رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

قد لا يكون إيماننا كإيمانهم، وقد لا يكون إخلاصنا كإخلاصهم، وقد لا تكون أعمالنا كأعمالهم.. لكننا نحبهم والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول «( يحشر المرء مع من أحب)» .

قال النبي عليه والسلام: «” لا تسبوا أصحابى ، فوالذى نفسى بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ” ” .


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن..)

الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *