ما الثقافة؟
أينَ يوجدُ المربي؟
أسبابٌ جعلتْ وجودَ المربي المثقفِ أكثرَ أهميةً مما سبق:
– قصورُ أثرِ الأسرةِ وانشغالهُا أحيانًا أوْ إهمالهُا.
– كثرةُ قنواتِ التوجيهِ السلبي المدارةِ بكفارٍ أوْ منافقينَ أوْ فُساق.
– وجودُ (مربين) على مناهجَ سيئةٍ كالتربيةِ على الإرجاءِ أو التربيةِ على الغلو.
سرُّ نجاحِ المسيرة التربوية:
حتى تنجحَ مسيرة التربيةِ ويكونَ لها مخرجاتٌ مباركةٌ وثمارٌ يانعةٌ لا بدَّ منْ مُدخلاتٍ ذاتِ قيمةٍ هيَ:
– المربي الناضجُ الصادقُ المثقف.
– البيئةُ الإيجابية.
– المنهجُ الملائمُ المتجدِّدُ في وسائله.
ولا يكونُ المربي ناجحًا ما لمْ يعِشْ حياةً متوازنةً بنفسٍ طُلَعَة لكلِّ خيرٍ مستعدَّةٍ للتضحيةِ والبذلِ صابرةٍ على طولِ الطريقِ ومشقةِ معالجةِ النُّفوسِ رجاءَ الثوابِ من الله.
مكوناتُ ثقافةِ المربي:
أولا: ثقافةٌ أساسية:
وتشملُ الثقافةَ الدينيةَ والعلومَ الشرعية؛ ومعرفةَ تاريخِ الأمَّةِ الإسلاميةِ وعواملَ نصرِها وأسبابَ نكوصِها؛ وختامُها إلمامٌ مناسبٌ بلغةِ العربِ وآدابِهم وأيامِهم وأمثَالِهم.
ثانيًا: ثقافةٌ تربوية:
وهيَ ما يحتاجُه المربي لأداءِ مهمتِه منْ ثقافةٍ تربويةٍ ونفسيةٍ واجتماعية، وكمْ هوَ نفيسٌ استنباطُ الفوائدِ التربويةِ منْ نصوصِ الوحيينِ الشريفينِ والسيرةِ العطرةِ ودراسةُ تجاربِ المربينَ عبرَ التاريخ.
ثالثًا: ثقافةٌ عامَّة:
أهميةُ الثقافةِ للمربي:
– التماسكُ العقديُّ والفكريُّ إذ إنَّ ابتعادَ المرءِ عن الثقافةِ بمنهجيتِها السليمةِ يجعلُ تغييرَ مسلماتِه منالا قريبًا.
– التجدُّدُ المعرفيُّ الذي ينعكسُ على جميعِ الجوانبِ الشخصيةِ للمربي وعلى وظيفتِه التربوية.
– في الثقافةِ إضاءةُ الروحِ واستبصارُ دروبِ الحياة.
– الحفاظُ على الحقائقِ من العابثينَ والمستخفينَ بها.
– العزلةُ والانقطاعُ الثقافيُّ يصيبانِ المربي بالوهنِ ويسلمانِه للخرافةِ فيكون موقفُه الدفاعَ فقطْ في زمنِ الهجومِ المتوالي!
– التحفيزُ على العملِ المتواصلِ المثمرِ والجديةُ في التعاملِ مع الزَّمن.
كيفَ يبني المربي هذهِ الثقافة؟
– القراءةُ في كتبِ التربيةِ وعلمِ النَّفسِ وعلمِ الاجتماع.
– القراءةُ العامَّةُ في شتى المعارفِ والفنونِ والعلوم.
– حضورُ درسٍ علمي دوري على الأقل.
– الانتظامُ في درسٍ تربوي علمي.
– الاستماعُ إلى المحاضراتِ التربوية.
– مشاهدةُ البرامجِ التربويةِ المباشرةِ أو المسجلة.
– المشاركةُ في البرامجِ التدريبيةِ الخاصَّةِ بالتربية.
– الانضمامُ لعضويةِ الجمعياتِ العلميةِ؛ وإنْ كانتْ غيرَ موجودةٍ فيا حبَّذَا لوْ نفرَ لهَا طائفةٌ من المربينَ والتربويينَ تأسيسًا وتسجيلا.
– متابعةُ الدورياتِ المتخصصةِ، وغالبُها نشاطٌ منبثقٌ عن الجمعياتِ والنقابات.
– حضورُ الملتقياتِ التربوية.
– اللقاءُ مع المربينَ وأساتيذِ التربيةِ والاجتماعِ والنفسِ والإفادةُ منهم.
– العيشُ مع سيرِ المربينَ وتجارِبِهم في تاريخِنا العَطِرِ واستلهامُ العبرِ منها حفزًا للهمَّة، وتسليةً أمامَ المواجهة.
– المشاركةُ في ورشِ العملِ وحَلَقاتِ النِّقاشِ حولَ التربيةِ وقضاياها.
– متابعةُ الإنترنت والمواقعِ التربويةِ أو الزوايا التربويةِ في المواقعِ العامَّة.
– حضورُ المنتدياتِ التي تُعنى بالقضايا التربوية؛ وإنْ كانتْ غيرَ قائمةٍ ففي همَّةِ المربينَ أملٌ كبيرٌ للبداياتِ المشرقة.
– التفاعلُ مع الساحةِ الثقافيةِ متابعةً ومشاركة.
– التواصلُ مع الأنديةِ الأدبيةِ والمنتدياتِ العلميةِ والفكريةِ والتاريخيةِ وحضورُ بعضِ نشاطاتها.
متطلباتٌ لنجاحِ التحصيلِ الثقافي للمربي:
– وضوحُ الغايةِ والتخطيطُ لبلوغِها.
– الشموليةُ والتدرُّج.
– الاستعدادُ النَّفسي والذهني والبيئي.
– الاستمرارُ والاجتهادُ وتجنب العوائق.
– الإيجابيةُ والفاعلية.
مسائلٌ مهمةٌ يحسنُ بالمربي إدراكُها في مسيرتِه الثقافية:
– بناءُ الثقافةِ مسؤوليةُ المربي في المرتبة الأولى.
– أهميةُ التجديدِ؛ فلكلِّ جيلٍ عالمهُ الخاصِّ بخيرِه وشرِه.
– لا تنازلَ عن الثوابتِ البتةَ وفي غيرِها سَعَةٌ بعدَ النظرِ والمشاورة.
– أهميةُ محاسبةِ النَّفسِ مرة بعدَ أخرى ومراجعةِ نتائجِ عملِها التربوي؛ فالمراجعةُ تكشفُ جوانبَ القصورِ والتميزِ.
– ضرورةُ توثيقِ التجارِبِ النَّاجحةِ التي عاشَها المربي أوْ سمعَ عنها.
عقباتٌ تقفُ دونَ بناءِ الثقافة:
– اعتمادُ المربي على التلقي فقطْ وانتظارُ التثقيفِ من الآخرينَ بلا عناءٍ في البحث.
– الانهماكُ في الممارسةِ التربويةِ ونسيانِ المراجعةِ والتطوير.
– الركونُ للخبرةِ فقط.
– الاكتفاءُ بتقليدِ القدواتِ منْ غيرِ نقدٍ أوْ تمحيص.
– قلةُ الكتبِ المتخصصةِ بالتربيةِ المتوازنةِ أو المنطلقةِ منْ محاضنَ أسريةٍ أوْ تعليميةٍ أوْ دعويةٍ وخلوُّ بعضِ أسواقِ المعرفةِ منها؛ علمًا بأنَّ قسمًا من المتاحِ ربما لا يسلمْ منْ ملاحظات.
– كثرةُ الكتبِ التربويةِ المترجمةِ أو المعتمدةِ على التراثِ التربوي الغربي فقط.
– ندرةُ البرامجِ التربويةِ سواء في الجامعاتِ أوْ معاهدِ التدريب[3].
– التجاربُ التربويةُ حبيسةُ الصدورِ؛ وللصدورِ قبور.
– الهجمةُ الأفَّاكةُ على المحاضنِ التربويةِ وعلى المربينَ، وكَيْلُ التهمِ الجزافيةِ لهم.
– الخوفُ من التجديدِ وتقديسُ القديمِ من الوسائل.
– الاتكاءُ على المواهبِ والقدراتِ الذاتية.
– ضعفُ التواصلِ مع الآخرينَ واقتباسِ خبراتِهم النَّافعة.
– ضمورُ حبِّ القراءةِ وانقطاعُ العلاقةِ مع سوقِ الكتابِ أوْ فتُورها.
– همومُ الحياةِ وصوارفُها.
– الاحتباسُ حتى النفادِ فأيُّ معلومةٍ تبقى حبيسةَ ذهنِ صاحبِها جديرةٌ بأنْ تأكلُها أرضةُ النِّسيان.
ثقافاتٌ مهمةٌ يتبنَّاها المربي المؤثر:
– العنايةُ بالأصولِ الشرعية.
– تخريجُ قادةِ لا مجرَّد أتباعٍ ومستهلكين.
– قبولُ الاختلافِ السائغِ والترحيبُ به.
– حتميةُ التجديدِ والمراجعة.
– البحثُ عن الأثرِ البعيدِ والمستمر.
– تحريكُ العقولِ ومخاطبتُها.
– الشركةُ التربويةُ مع المتربي وعائلتِه والمجتمعِ بقطاعاتِه.
– تقديرُ التميزِ وتوظيفِه.
– بناءُ شخصيةِ المتربي بتوازنٍ بينَ جوانبِها المختلفة.
– التعلمُ الذاتيُّ للمربي والمتربي.
– تقريبُ المعلومةِ ونشرُها بلا تعقيد.
– قيادةُ التغييرِ الإيجابي.
– الترحيبُ بالمبادراتِ الإبداعيةِ النَّافعة.
– احترامُ الخصوصيات.
– مراعاةُ اختلافِ الاهتمامات.
آفاقٌ مستقبليةٌ ينبغي للمربي المثقفِ العنايةُ بها:
– جعلُ التربيةِ همًَّا عامًَّا يشتركُ الجميعُ في تقديرِ أهميتِه وحملِه والدِّفاعِ عنه.
– نقلُ ثقافةِ التربيةِ للمسجدِ والحيِّ والأسرةِ وملتقياتِ العائلةِ والنَّادي الرياضيِّ والمركزِ الاجتماعيِّ وغالبِ مؤسساتِ المجتمع.
– بناءُ منهجٍ تربويٍّ للمرأةِ والرجلِ والطفل.
– العنايةُ بالرسالةِ التربويةِ للطفلِ قبلَ أنْ تفسدَ فطرتُه.
– بذلُ الجهودِ واستفراغُها لتربيةِ الفتاة.
– التعاونُ مع الجهاتِ الحكوميةِ لتبني المشروعاتِ التربوية.
– التواصلُ مع إداراتِ المسؤوليةِ الاجتماعيةِ في القطاعِ الخاصِّ لدعمِ البرامجِ والأفكارِ التربوية.
– التنسيقُ مع قطاعاتِ العملِ الخيريِّ والقطاعاتِ غيرِ الربحيةِ في الدراساتِ والبحوث.
– ممارسةُ التربيةِ بحرَفيةٍ في بيئاتٍ مفتوحةٍ ومساراتٍ جديدة.
– استثمارُ الإنترنت وقنواتُ الفضاء.
– توثيقُ التجارِبِ المميزةِ وتعميمُها.
– إنشاءُ كلياتٍ خاصةٍ بالتربيةِ وتخريجِ المربين.
– التأليفُ وكتابةُ المقالاتِ والبحوثِ حولَ التربيةِ بمرجعيةٍ شرعية.
– قيامُ دوراتٍ تربويةٍ مُحكمةٍ على غرارِ الدوراتِ العلميةِ والبرامجِ التدريبية.
– العنايةُ بعائلةِ المتربي.
إنَّ التربيةَ تحتاجُ منَّا إلى الحبِّ العميقِ الصادقِ للنَّاسِ ولوْ لمْ يتبعونَا منْ أول مرة أوْ يُلهبُوا أيديَهم بحرارةِ التصفيقِ وتكرارِ التلويح؛ فأهلُ الحقِّ أرحمُ الخلقِ بالخلق؛ وحريٌّ بالمربينَ أنْ يكونوا أكثرَ النَّاسِ إيمانًا وصبرًا وحزمًا دونَ تغييبِ المعاني اللطيفةِ الكريمةِ من اللينِ والسهولةِ والبسمةِ الدائمةِ والرفقِ بالمجتمعِ والمتربين ليكونَ المنتجُ التربويُّ ممَّا ينفعُ النَّاسَ ويمكثُ في الأرض خاصّةً أنَّ التربيةَ بوابةٌ كبرى للإصلاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تحدث وكتب الشيخ أ.د. ناصر العمر – حفظه الله – عن البث المباشر قبل مجيئه بسنوات ومع ذلك لم يستعد الإسلاميون لهذا الوافد الجديد؛ والواقع الفضائي العربي المتخم بالغث يشهد بأرقامه الواضحة.
[2] للمزيد يمكن الرجوع لكتاب علم النفس الدعوي، تأليف د. عبد العزيز النغيمشي، طبع دار المسلم، الطبعة الأولى 1415.
[3] لمؤسسة المربي جهد دؤوب مبارك لافتتاح أكاديمية تربوية لتأهيل المربين؛ كما يوجد لدى مركز تكوين للاستشارات الطلابية والتدريب برامج خاصة للمربين.
[4] هذه الفكرة كان يتبناها العالم المربي المجاهد عبد الحميد بن باديس – رحمه الله.
Source link