عدل ذي الخويصرة – طريق الإسلام

أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المفترقين…

العدل في الاصطلاح الشرعي: هو وضع الشيء في موضعه الذي أمر الله تعالى أن يُوضَع فيه، وبعبارة أخرى: هو موازنة بين الأطراف؛ بحيث يُعطَى كلٌّ منهم حقه دون بخس ولا جَور عليه.

 

وهو لا يعني المساواة مطلقًا، بل قد يعنيها، وقد تعد المساواة في بعض الأحيان مناقضة للعدل.

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المفترقين… ولم يأتِ حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبدًا، إنما يأمر بالعدل”.

 

لكن بعض الناس لهم في العدل تصور خاص هم وضعوه بحسب نظرهم وعقولهم القاصرة، ثم جعلوا هذا التصور هو الأصل، وصاروا يحاكمون الناس إليه، ويزِنون تصرفاتهم بميزانه، وأصرح مثال لهؤلاء ذو الخويصرة التميمي.

 

روى البخاري (3610) ومسلم (1064) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خِبتَ وخسرت إن لم أكن أعدل»؛ إلخ الحديث.

 

هذا الحديث فيه عدل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يحكم بشرع الله، وينطق بوحي الله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]؛ حيث يتجلى عدله في جعل العطاء مرهونًا بما يحقق المصلحة للأمة، وإن كان في ظاهره تفضيلٌ لبعض أفراد الأمة على بعض، ولم يلتزم صلى الله عليه وسلم هنا بشرح الحكمة من هذا التصرف، بناءً على ما يعرفه من ثقة أصحابه به، ويقينهم بأنه لن يتصرف إلا بما يُرضي الله، ويحقق المصلحة العليا لهم، وهذا كان موقف الصحابة جميعهم لم يعترض أحد على قسمته تلك، سوى ذي الخويصرة؛ للمرض الذي في قلبه، والخلل الذي في عقله.

 

وقد أجابه النبي صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا بقوله:  «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، فلم يَدَعْها له النبي صلى الله عليه وسلم، بل زجره وقسا عليه، رغم أن المعتاد من تصحيحه لأخطاء أصحابه هو الرفق واللين، وقد فهم أصحابه الموقف وتفاعلوا معه؛ حتى لقد قال عمر رضي الله عنه: ((يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه)).

 

نأخذ من هذا الحديث أن للقائد مع تجرده من الأهواء أن يتصرف في المال العام بما يرى أنه يحقق المصلحة العامة للأمة، وإن كان تصرفه ذلك قد لا يكون مفهومًا لبعض أفراد الأمة؛ فالقائد يفترض أنه لا يكون قائدًا إلا عن مشورة ورضا من الأمة، وبعد أن يكون كذلك يجب على الأمة إحسان الظن به، وحمل تصرفاته على السداد، مالم يظهر منه ما يدل دلالة صريحة على الجور والانحراف.

 

كما يُؤخَذ منه أن لبعض الناس فهمًا غاليًا بعيدًا عن الصواب، منبعثًا من طبيعة نفسه المنحرفة، أو الحساسة؛ فهو يحاكم الناس إلى ذلك الفهم، لا إلى المفهوم الصحيح الذي تقرره الشريعة، وهذا ما جرى عليه ذو الخويصرة ومن يسير على طريقه في هذا المسلك، دون أن يشعر، وليس بالضرورة أن من يسلك ذلك المسلك منافقٌ كذي الخويصرة؛ بل قد يكون من أقوى الناس إيمانًا وأكثرهم صلاحًا، لكن الشيطان استطاع أن يدخل عليه من باب صلاحه وحماسته للخير، وغَيرته على الحق؛ فليحذَرِ المسلم من ذلك.

______________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تفسير: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم..)

تفسير: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) [الأحزاب (48)] …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *