أسباب رفع البلاء – طريق الإسلام

إن الله تعالى جعل هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار، وما فيها من خير وشر، ويسر وعسر، وفرح وحزن، ورخاء وشدة؛ إنما هو محض تمحيص واختبار من الله تعالى لعباده…

أيها المسلمون عباد الله؛ فإن الله تعالى جعل هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار، وما فيها من خير وشر، ويسر وعسر، وفرح وحزن، ورخاء وشدة؛ إنما هو محض تمحيص واختبار من الله تعالى لعباده؛ كما قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، ومِن فضل الله تعالى ورحمته بعباده؛ أن يسَّر لهم عبادات وأسبابًا ترفَعُ ذلك البلاء قبل وقوعه، وبعد وقوعه.

 

1- ومن أعظم أسباب رفع البلاء هو الدعاء والتضرُّع إلى الله تعالى؛ فإن الابتلاءات إذا نزلت فلا يرفعها إلا الذي أنزلها؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17]، وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55، 56]، وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدُّعاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فعَلَيكُم عِبادَ اللهِ بالدُّعاءِ»؛ (رواه الترمذي وغيره، وضعَّفه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: «وإن البلاء لينزل فيتلقَّاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة»؛ (صحيح الجامع).

 

ومنه الدعاء في أوقات الرخاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»؛ (رواه الترمذي، والحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).

 

ومن أعظم أدعية الكرب دعوةُ ذي النُّون يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، فعَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا بها وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»؛ (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)، وهذا الدعاء ورد في قول الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87، 88].

 

ومن الأدعية النبوية المهمة أيضًا ما ورد في الصحيحين عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»، قال النووي رحمه الله: “وَهُوَ حَدِيث جَلِيل، يَنْبَغِي الاعْتِنَاء بِهِ، وَالْإِكْثَار مِنْهُ عِنْد الْكُرَب وَالْأُمُور الْعَظِيمَة”.

 

وعن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»؛ (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود).

 

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»؛ (رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وضعفه الألباني).

 

ومن الأدعية النبوية المهمة دعاء «مَن أصابَه هَمٌّ أو غَمٌّ»؛ فإذا تراكمت عليك الهموم والأحزان؛ فعليك برفع يديك إلى السماء، واطلب من ربك، وألحَّ عليه بالدعاء، وتوسَّل إليه بأسمائه الحسنى؛ فعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»؛ (رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).

 

ومن الأدعية النبوية المهمة؛ دعاء من تراكمت عليه الديون؛ فقد روى الترمذي في سننه عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ»؛ (حسنه الألباني في صحيح الترمذي).

 

وفي السنن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: «يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَا لي أَرَاكَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ فِى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ» ؟))، قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ» ؟))، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ( «(قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ»، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.

 

‏فعلينا يا عباد الله بالدعاء؛ فإنه باب عظيم من أبواب تفريج الكربات، وقضاء الحاجات؛ فكم من مريض شفي بالدعاء، وكم من مكروب ومهموم زال همُّه بالدعاء، وكم من فقير أغناه الله تعالى عندما دعاه، وكم من غائب رجع إلى أهله بالدعاء، وكم من مذنب وعاصٍ غفر له بالدعاء، وكم من ضالٍّ منحرف رجع إلى طريق الهداية بالدعاء، وكم من ميت فى قبره يحتاج إلى الدعاء، أو رفعت درجته بالدعاء.

 

2- ومن أسباب رفع البلاء قراءة القرآن الكريم؛ كما قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، فكتاب الله شفاء لجميع الأدواء والأمراض؛ فقد قرأ الصحابيُّ فاتحة الكتاب على من لدغ بعقرب؛ فشفاه الله تعالى من السُّمِّ الناقع، فعجبًا من مريض لم يترك طبيبًا إلا وذهب إليه، ثم غفل عن أعظم دواء: التداوي بالقرآن الكريم.

 

ومن التحصينات المؤثرة الفعَّالة قراءة سورة الإخلاص والمعوِّذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء؛ فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتُمْ» ؟))، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ»، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»؛ (رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني).

 

ومنها قراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة في كل ليلة؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»، قال النووي رحمه الله: قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجَمِيعِ.

 

ومن التحصينات القرآنية الوقائية المهمة: قراءة آية الكرسي عند النوم؛ كما في قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان لما وَكَلَه النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان كما في صحيح البخاري: «فإنه لَنْ يَزَالَ معك مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ».

 

3- ومن أسباب رفع البلاء المحافظة على الصلاة؛ فعن أبي الدرداء، وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عن اللهِ عز وجل أنه قال: «ابنَ آدمَ، اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه»؛ (حسَّنه الذهبي، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع)، وفي رواية: «قَالَ اللهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تَعْجزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ»؛ (أحمد، وأبو داود).

 

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ قال: «أرِحْنا بالصلاةِ يا بلالُ»؛ فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتهُ وبهجتَهُ.

 

‏وقال حذيفة رضي الله عنه: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى؛ لأنَّ في الصَّلاة راحةً، وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِ الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45].

 

وفي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ، فصلَّى بالناس، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يَخْسفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ»، وَفي رواية: «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ».

 

4- ومن الأسباب أيضًا لرفع البلاء قيام الليل؛ فعن بِلالٍ رضي الله عنه، أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّيْلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ»؛ (رواه الترمذي وغيره، حسنه الألباني).

 

5- ومن الأسباب والأعمال اليسيرة لرفع البلاء التوبة إلى الله تعالى، وكثرة الاستغفار؛ كما قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10- 12]، وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، وقال تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

 

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أمانانِ كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفع أحدهما، وبقي الآخر: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}؛ (رواه أحمد).

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»؛ (رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد).

 

‏وعن فَضالةَ بن عُبَيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العبدُ آمنٌ من عذاب الله ما استغفر الله»؛ (رواه أحمد).

 

6- ومنها أيضًا كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رسول الله، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ:  «مَا شِئْتَ»، قُلْتُ: الرُّبُع، قَالَ:  «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فَالنِّصْف؟ قَالَ:  «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ:  «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ:  «إذًا تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبُكَ»؛ (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني)، قال ابن القيم رحمه الله: “من أراد انشراح الصدر، وغفران الذنب، وتفريج الكرب، وذهاب الهمِّ؛ فليُكْثِر من الصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم”.

7- ومن الأعمال التي ترفع البلاء عن الأموال والأبدان؛ صنائعُ المعروفِ؛ فعَنْ أَنس رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ»؛ (رواه الحاكم، وهو في صحيح الجامع).

 

وصنائع المعروف هي الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف، ولها صور كثيرة منها: القرض الحسن، أو البر، أو الهدية، أو الصدقة، أو إعانة على قضاء حاجة؛ من شفاعة، أو تحمُّل دَين، أو بعضه، أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة، قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، وقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

 

8- ومنها أيضًا صدقة السر؛ فإنها تُطفئ غضب الرب، ففي سنن الترمذي: «إنَّ الصدقة تُطفِئ غضب الربِّ، وتدفع ميتة السوء»، وفي سنن الترمذي أيضًا من حديث معاذ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقةُ تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماءُ النارَ».

 

قال ابن القيم: “للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم؛ بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه”.

 

‏وقال رحمه الله: “في الصدقة فوائدُ ومنافعُ لا يُحصيها إلا الله؛ فمنها: أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء، حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم”.

 

‏يقول ابن شقيق: “سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب، فاحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين، ويُمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ”؛ صحيح الترغيب.

 

‏ويُذكر أن رجلًا أصيب بالسرطان، فطاف الدنيا بحثًا عن العلاج، فلم يجده، فتصدَّق على أمِّ أيتام، فشفاه الله تعالى.

 

نسأل الله العظيم أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يغنينا بفضله عمَّن سواه.

___________________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *