وسبحانَ الله!.. ما أعظمَ كلامَه!.. فكلُّ متأمل في تاريخ تطور الحضارات ونمو المدنيات يجدُ أن العاملَ الأقوى في نشأتها كان معتمداً على الإنسان الصالح صاحبِ المبدأ والخلق والدين. وهذا هو هدف القرآن في تربية أفرادٍ صالحين أقوياء.
في سلسلة من المقالات التي أكتبُها أقتبسُ بعض المهارات النفسية التي يعلمنا إياها القرآنُ، وأرجو من الله -عز وجل- المعونة والتوفيق.
تأمل قولَ الله -عز وجل-: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨]، أي لا يدفعنكم كرهُ شخص ما على ظلمِه أو الاعتداء على حقوقه.
دعني أضرب لك مثالاً:
وبعد بضعة أشهر يطلب منك مديرُ الشركة أن توظف مديراً مالياً على مستوى عالٍ من المهارة حتى ينقذ الشركة من الأزمة التي تمر بها، وبالفعل أعلنت عن هذه الوظيفة، وتقدم الكثير من المرشحين، وبعد دراسة كل الطلبات وقع اختيارُك على أبرزهم ممن تعتقد أنه الأفضل لإنقاذ الشركة من أزمتها، وهنا كانت المفاجأة؛ فالشخص الذي تم اختياره للمنصب المرتقب هو أخُ تلك الفتاة التي خطبتها قبل بضعة أشهر، عندما تكتشف ذلك يغلي الدم في عروقك وتستعيد كل تلك الذكريات السيئة التي حدثت معك.
والآن أود منك أن تسأل نفسك بصدق: كيف ستتعامل مع هذا الموقف؟ هل ستستطيع التغلب على مشاعرك السلبية تجاه هذه العائلة، وما فعلته معك في سبيل تحقيق مصلحة الشركة. لقد طرحت هذا السؤال على العديد من المتدربين في دورات (الذكاء العاطفي) التي أقدمُها، وكان الرد السائد هو: (لا)، بل ذهب بعضُهم إلى القول: سأوظفه حتى أريه نجوم السماء في رابعة الظهيرة..!!
وهنا تأتي قيمةُ المهارة التي تعلمنا إياها الآيةُ القرآنية، التي تأمرُنا بأن نعزل مشاعرنا التي نحملها تجاه الأشخاص والأشياء عن أسلوب تعاملنا معهم، وتطلب منا أن نراقبَ تأثيرَ مشاعرنا السلبية على قراراتنا وسلوكنا، وهذا تماماً ما يأمرُ به الشارع في مواضعَ وأمثلة أخرى، فنحن نعلم أن القاضي مأمورٌ ألا يحكم بين الناس وهو غضبان كما ورد في الأحاديث الشريفة حتى لا يؤثرَ شعورُه بالغضب في حكمه بين الناس بالعدل. وهذا ما ينطبق على الكثير من المهن الأخرى؛ فالمدرس مثلاً مأمور بأن يعدل في تقدير درجات طلابه حتى لو كان غاضبًا من مديره أو من أي شخص آخر، وكم رأينا من المدرسين مَن يضع غضبه وحنقه من عمله في طلابه..!!
خـتاماً:
القدرةُ على مراقبة مشاعرنا السلبية وعزل تأثيرها على سلوكنا وقراراتنا هي مهارة ضرورية للنجاح.. أقول: هي مهارة، وهذا يعني أنها لا تنمو إلا مع الوقت والممارسة والتدريب وقبول الإخفاق مرات ومرات.
وفقنا الله جميعاً لما يرضيه.
____________________________________________________
الكاتب: د. ياسر بكار
Source link