رمضان هو ذلك الشهر المبارك العظيم الذي ينتظره عامة المسلمين بشغف ولهفة، وينتظره المؤمنون بشوقٍ ورغبة، ها هي الدموع تُذرَف فرحًا باستقبال أغلى وأكرم وأفضل الشهور على القلوب المؤمنة…
رمضان هو ذلك الشهر المبارك العظيم الذي ينتظره عامة المسلمين بشغف ولهفة، وينتظره المؤمنون بشوقٍ ورغبة، ها هي الدموع تُذرَف فرحًا باستقبال أغلى وأكرم وأفضل الشهور على القلوب المؤمنة، إنه شهر الخير والرحمة والبركة، شهر النقاء والصفاء والعفة، شهر الطهر والسعادة والاطمئنان، فيه تصفو القلوب، وتسمو النفوس، وترتقي الأرواح، فهنيئًا لكم – أيها المسلمون – في كل مكان، بقدوم شهر الخيرات، شهر البركات، شهر الرحمات، شهر المبرَّات، شهر المسرات.
مرحبًا بك أيها الضيف الكريم الزائر، والشهر العظيم المبارك، مرحبًا بك يا شهر الإحسان، يا نبع الغفران، يا حبيب الرحمن، ها هو شهر رمضان المبارك قد أقبل بنفحاته، وخيراته، وبركاته، ورحماته، فهو شهر كريم وموسم عظيم، خصَّه الله بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن العظيم، وفرض صيامه على جميع المسلمين؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183، 184]، وسنَّ قيامه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه»؛ (رواه البخاري برقم (37)، ومسلم برقم (759)).
فهو شهرُ التقوى، وشهر إجابة الدعوات، ومضاعفة الحسنات، ورفع الدرجات، وإجزال الهبات، وكثرة النفحات.
شهرٌ تكفر فيه السيئات، ويصفح فيه عن الموبقات، وتُقال فيه العثرات.
شهرٌ فضَّل الله أوقاته على سائر الأوقات، وخصَّه بأجلِّ الأعمال وأسمى الصفات، جعل فيه ليلة من أفضل ليالي العام؛ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2].
فأين أصحاب الهمم العالية والنفوس التوَّاقة، والمطالب السامية؛ لكي يغتنموا الفرصة قبل الفوات، ويسارعوا إلى فعل الخيرات، ويتعرضوا في هذا الشهر المبارك لعظيم النفحات؛ لعل الله أن يتجاوز عنهم كثير الخطيئات والسيئات!
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل شهر رمضان بقوله: «اللهم أهلَّه علينا باليُمْنِ والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله»؛ (رواه الترمذي، في جامع الترمذي برقم (3451)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب).
لنستقبل شهر رمضان بسلامة الصدر من الحقد والحسد والضغينة، فسلامة الصدر سبب لدخول الجنة.
لنستقبل شهر رمضان بنظافة الظاهر والباطن من المعاصي والآثام.
فمرحبًا بك يا شهر الخير، مرحبًا بك يا شهر النفحات الإيمانية، مرحبًا بك يا شهر الخير والجود، مرحبًا بك يا شهر رمضان، كم سعدت أنفسنا بقربك! وكم اشتقنا إلى نفحاتك! أقبِلْ إلينا ثم أقبل، وأقِمْ طويلًا في هذه الأمة الطيبة الكريمة؛ أمة الخيرية، وألْقِ عليها درسًا من هذه الدروس البليغة، ولا تفارقها حتى تزكِّي أرواحها، وتصفي نفوسها، وتصلح أخلاقها، وتجدد حياتها.
مرحبًا أهلًا وسهلًا بالصيام ** يا حبيبًا زارنا في كل عـــــــــامِ
قد لقيناك بحب مفعـــــــمٍ ** كل حب في سوى المولى حرامِ
فاقبل اللهم منا صومنـــــا ** ثم زدنا من عطاياك الجســـــامِ
ويُمكن بيان بعض الأعمال التي يُستقبَل بها شهر رمضان المبارك؛ وذلك على النحو الآتي:
استقبال شهر رمضان بالفرح والسرور والبِشر؛ وذلك لأنه فرصة لمغفرة الذنوب، وإقالة العثرات، فهو شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، والعبد الصالح يستقبل مواسم الخير والطاعات بالفرح والاستبشار؛ قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124].
استقبال شهر رمضان بالحَمْد والشُّكر لله سبحانه وتعالى؛ إذ إنَّ بلوغ شهر رمضان المبارك، وصيامه من أعظم النِّعم التي مَنَّ بها الله سبحانه وتعالى على عباده، وإن نعم الله عزَّ وجلَّ علينا لا حصر لها، ولا عدَّ، ومن واجبنا إزاءها الشكر بالقول والفعل، بالقلب واللسان واليد، حتى نعزِّز وجودها ونضمن – بعون الله ثم بشكرنا له سبحانه عليها – دوامَها، فبالشكر تدوم النعم؛ وصدق الله عزَّ وجلَّ القائل في كتابه الكريم: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
استقبال شهر رمضان بإخلاص النيَّة لله سبحانه وتعالى في جميع الأعمال: الصيام من أعظم العبادات التي تدرِّب المسلم على الإخلاص؛ لأن الصائم لا يعلم به أحد إلا الله تبارك وتعالى؛ ولذلك فلا بُدَّ من استقبال شهر رمضان بتجديد النيَّة، وعَقْدِ العزم على استغلال الأوقات المُباركة؛ وذلك بالتزام الطاعات، واجتناب المعاصي والسيِّئات، وتطهير القلوب، والتوبة الصادقة، لا سيَّما أنَّ الله سبحانه وتعالى يجزي العبد على نيَّته؛ إذ رُوي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى»؛ (صحيح البخاري رقم (1)).
استقبال شهر رمضان بالاستعداد المُسبَق لقدوم شهر رمضان؛ وذلك من خلال تربية النفس، وتعويدها على الطاعات؛ كقيام الليل، والصيام، وتلاوة القرآن الكريم؛ حتى يتمَّ الاستعداد النفسيُّ لأداء الطاعات في رمضان من غير كُلفةٍ، أو مَشقَّةٍ.
استقبال شهر رمضان بالتوبة والإنابة الصادقة: على الرغم من وجوب التوبة في كلِّ وقتٍ وحينٍ، ومن أيِّ ذنبٍ قد يقترفه العبد، إلا أنها تُعَدُّ في شهر رمضان المبارك أوجب؛ إذ إنه موسمٌ من مواسم الخير والطاعات، وفي الحقيقة فإن المعاصي والذنوب تُعَدُّ سببًا لعدم التوفيق إلى الطاعات والعبادات، وقد يُحرَم المرء بسببها لذة القُرب من الله، والالتزام بأوامره؛ قال سفيان الثوري: “حُرمت قيام الليل بذنب أحدثته خمسة أشهر”؛ [حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (17/ 7)]، فمن لم يتُبْ في رمضان فمتى يتوب؟ ومن لم يَنِبْ فمتى ينيب؟
فأين التائبون المنيبون العائدون إلى ربهم؟
استقبال شهر رمضان بمعرفة قيمة أوقات هذا الشهر العظيم: إذ إن الكثير من الأوقات الثمينة تضيع بسبب الجهل بقيمتها؛ ولذلك لا بد للمسلم من اغتنام كل دقيقة في الأعمال الصالحة، والقُربات، وتجدر الإشارة إلى أن شهر رمضان المبارك من أثمن اللحظات؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى واصفًا شهر رمضان: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، وفي الآية إشارةٌ إلى أن موسم رمضان العظيم أيامه قليلة، سريعة الذهاب، فلا بد من الاستعداد لاغتنامها؛ حتى لا يقع الندم على تضييعها بعد فوات الأوان.
______________________________________________
الكاتب: د. خالد حسن جياش
Source link