منذ حوالي ساعة
رمضان شهر المجاهدة مع النفس، ودفعها إلى الطاعات دفعًا، فهي نزاعةٌ إلى اللهو والكسل، والانسياق مع الملذات التي تقلل من شأن الصيام، ومن مكانته وعظمته.
أيها المسلمون: ها قد انقضى من الشهر الكريم أيام، فكيف أنتم بعد هذه الثلاث؟
كيف قضيتموها؟ وكيف مرت عليكم أيام الصيام الأولى؟
هل شغلتموها بالعبادة والقرآن، أم مرت كما تمر بقية الأيام؟
لماذا نسأل هذه الأسئلة، ونطرح هذا التساؤل؟ ذلك أن الأيام الأولى من الشهر الكريم هي معيار الباقي من أيامه.
فمن التزم بالصلوات في مواعيدها ومواقيتها، وجاهد ألَّا يفوته فرض منها، خاصة صلاة الظهر، وحرص على قراءة القرآن، وفي ذهنه عددٌ من الختمات يريد أن يختم بها القرآن في هذا الشهر أكثر مما مضى في الأعوام الماضية.
أو كان في ذهنه حفظ سورة أو سورتين من القرآن وضبطها وإتقانها، وغيرها من العبادات، فإذا مضى عليك يوم، وقد فعلت فيه كل الطاعات التي خططت لها، فأخبر نفسك أن هذا اليوم يومٌ كان لك، وإن حصل منك نقص أو تفريط أو تهاون، فأخبرها أن هذا اليوم كان عليك لا لك، لعلك تجتهد في بقية الأيام فتكون لك لا عليك.
أيها المسلمون، إنما نقول هذا القول؛ لأن رمضان شهر المجاهدة مع النفس، ودفعها إلى الطاعات دفعًا، فهي نزاعةٌ إلى اللهو والكسل، والانسياق مع الملذات التي تقلل من شأن الصيام، ومن مكانته وعظمته.
أيها المسلمون: في هذا الشهر نجد من أنفسنا إقبالًا على قراءة القرآن، وإقبالًا على صلاة التراويح بأعدادها، وطول مدتها، وإقبالًا واستمتاعًا بعبادة الصيام، ونجد أن الأمر لا يستغرق وقتًا طويلًا من يومنا، ولا يعيقنا عن أعمالنا، ولا بقية حاجاتنا، فلماذا نحرم أنفسنا في بقية الأيام من هذه العبادات؟ لماذا نوتر في رمضان بإحدى عشرة ركعة أو تسع أو سبع، ونوتر في بقية الشهور بركعة واحدة أو بثلاث؟
لماذا نختم القرآن في رمضان ختمة وختمتين وثلاثًا، بل وأكثر من ذلك، ثم لا نستطيع أن نختمه ولو مرة واحدة في بقية الشهور؟
أليس هذا من ظلمنا لأنفسنا وتفريطنا في أنواع من الثواب عظيمة لو جاهدنها أنفسنا، وتخلصنا من الأوهام، كما نتخلص منها في رمضان؟
هذا سؤال يجب أن نهتم له كثيرًا، ونجد له جوابًا شافيًا نافعًا، ينفعنا في ديننا وأخرتنا.
أيها المسلمون:
استعينوا بالله على عبادتكم، واسألوه أن ييسر عليكم طاعته، فإن الطاعة شديدة شاقة على النفس، خاصة في زمننا هذا مع كثرة الملهيات ليلًا ونهارًا، ملهيات في بيتك من قنوات ومسلسلات، وملهيات في جيبك من برامج الجوالات وغيرها، وملهيات عامة مع أصحابك، ومن استسلم لهذه الملهيات، تسرب الشهر من بين يديه، ولا يفيق إلا على تكبيرات العيد، وقد سبق من سبق، وحاز من حاز من فضائل وغنائم رمضان.
أسأل الله لي ولكم العون على الطاعة والعبادة، والسلامة من ضياعها وذهابها، إنه على كل شيء قدير.
____________________________________________
الكاتب: ساير بن هليل المسباح
Source link