منذ حوالي ساعة
ولا جرم أن العقل الصحيح وُجد ليدل ويهدي صاحبه في دائرة ما أفاء الله عليه من وحي إرسال ومحجة تنزيل، وما أحاط الله جل جلاله به تراب الابتلاء من أعراض وحوادث
#التحدي السابع
علاقة العقل بالغيب عندما يتجاوز عتبتي التسليم فالتصديق، كمثل رجل ذي بصر ثاقب حديد، زُج به في غرفة غاسقة العتمة، فاقعة السواد، حالكة الظلام، إذا أخرج يده لم يكد يراها، فإذا لم يجعل الله له نورا وضياء فأنّى له الرؤية وكيف له الإبصار، وما عساه يفعل ببصره والحال على هذه الشاكلة والمِنوال ؟؟؟
ولا جرم أن العقل الصحيح وُجد ليدل ويهدي صاحبه في دائرة ما أفاء الله عليه من وحي إرسال ومحجة تنزيل، وما أحاط الله جل جلاله به تراب الابتلاء من أعراض وحوادث تدركها وتتحسسها رعية القلب ـ أي جوارحه ـ فتبصر الأحجام، وتتحسس الجواهر والأعراض، وتسمع الأصوات، وتشم الروائح، ثم ترسل هذا الكل الذي نهلته من عالم الشهادة والمحسوس، ليُقبح العقل ويُحسِّن من وارداتها، ويميّز في ركامها بين الشر والخير وبين الصواب والخطأ، وبين النافع والضار، وكل ذلك طبعا يمر من عيون منخلة الشرع أمرا ونهيا، ومن قواعد الإخبارتصديقًا أو تكذيبا، وإنما كان العقل في هذا المقام منفذا لا مقررا، وتابعا لا متبوعا، وعابدا لا معبودا، ومخلوقا لا خالقا…
وقد تبيّن بالطبع والحس والتجربة، قبل منقول الشرع أن جميع المعارك التي خاضها بعض المتحذلقين معتمدين فيها على العقل دون النقل آلت أمورهم إلى عبادة العجل، وغرقت أحوالهم في بحر لجي من الجنون وغلبة الشك والريب، بل منهم من انقلب على عقبيه خسر الدنيا والآخرة.
وإن المتتبع لمردوف خرجات الدكتور ـ في مجال تخصصه ـ الأستاذ الفايد ليتحسّس من كلامه وهرفه وغرفه حجم الانحدار وقوة السقوط، ومن ثم وِجهة القصد حيث إرادة إدخال عجل العقل في سمّ الخياط، وحشر كرة ثلج في تنور فائر ثم إخراجها سالمة الحجم صافية البياض.
لقد بات همّ الرجل من فرط غضبه، وبالغ استغضابه تكذيب كل شيء فيه ريح دين وحكاية غيب أو تهمة تديّن والتزام، يا للعجب كيف حصلت الاستحالة دون مقدمات دبغ، وكيف خرج علينا ابن الشاوية ودكتورها في زينته ليبوح في طغيان واستغناء وقارونية أن ما أوتيه على علم عنده، وأنه وإن كان الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل.
نسأل الله أن يردّه إلى دينه ردّا جميلا، وما ذلك عليه سبحانه بعزيز.
التحدي الثامن
في خرجاته القريبة العهد، أنكر السيد الدكتور الفايد دور السنة، بله وجودها، ورأى الكفاية والاكتفاء بكتاب الله كمصدر لوحده في مقام الاستدلال والاحتجاج بل واستنباط شعائر التعبد، وعلى أي فهي دعوى وتخرص قديم متجدّد على بدء متكرر، وهو انحراف فكري سبق أن نبّهت ونبأت به السنة النبوية المحكمة إذ صحّ عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم أنه أشار إلى هذا الغبن السلوكي فعن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا ألفينَّ أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه”
ويا ليت قواعد الاتباع عند هؤلاء تطرد فيحترمون منطق الاستدلال وهم يتجشؤون انحرافاتهم وإقعاداتهم التلبيسية، بل يحترموا عقول الناس، إذ كيف لمنكر السنة أن يستدل بالسنة ومن السنة على إنكارها، بل من الطريف المحزن أن تجد في ما يستمسك به ويوثره ويلغي غيره، تنصيص صريح فصيح يرد قبيح شبهته، ففي القرآن الأمر بوجوب طاعة النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال جلّ جلاله: “قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين”، كما فيه تقرير أن طاعة رسول الله هي من صميم طاعة الله سبحانه، إذ قال الله تعالى: “من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا”، كما أفاد القرآن بالقطع حرمة التقديم بين يدي سنته صلى الله عليه وسلم: “يا أيّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم”، كما أمر الله في محكم كتابه المبين بواجب الرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التنازع: “فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر”، وأمر أيضا بفرضية التأسي والاقتداء برسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر”، بل جاء في القرآن ما يفهم من نصه أن من أعرض عن سنته عليه الصلاة والسلام وقع في درك النفاق عياذا بالله: “وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا”، كما بين موقف المؤمن والمؤمنة معًا متى ما صدر حكم من الله ورسوله، نافيا عنهما الخيار فقال سبحانه: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”…
وفي كل دليل قرآني أوردناه هاهنا، لابد من التنبيه على حقيقة لغوية، يوجه ويعضد الوقوف على ملحظها وجود الحقيقة الشرعية التي أردنا إثباتها، ومن ثم دفع هذا الخرص الذي يستقبحه العقل الصحيح قبل النقل الصريح، وتلك هي واقعة العطف بأداته “الواو” المحشورة ـ في سياق المراد من الآيات السالفة الذكر ـ بين الله ورسوله، وهي أداة يُفيد أسلوب عطفها مطلق الجمع، كما يفيد المغايرة، التي من لازمها أن هناك قرآن كما هناك سنة سنبقى نستبشع ونستقبح كبيرة من ينكر حجّيتها، ذلك المنكر الذي أثبت الذوق والواقع أنه كثيرا ما أناخ مطايا ركائب شبهته على دركات الإلحاد وسقطات ترك الإسلام بالكلية، وكما أنه في جانب الخير يُقال أوّل الغيث قطرة، ففي جانب الشر يقال أيضا أن مستعظم النار من مستصغر الشرر، نسأل الله الثبات إلى الممات… آمين
التحدي التاسع
ثمة سؤال مؤلم ثقيل الجثوم، نرميه في حضن المتتبعين في غير إنصاف لحالة الفايد، وقبيله من طائفة السُدّوية ومن هم على شاكلتهم، وقد صادف هذا الخروج هوى في أنفسهم، فطفقوا مطبلين يسمع لركزهم مكاء وتصدية، مفاده: هل أتى الدكتور الفايد بشيء جديد يشذ أو يعتد به كجديد وإضافة على غير سابق نظير لا تحاكي مضامين فحواه شريط الشبه المشروخ الاستعمال القديم الابتذال؟؟؟
لاشك أن المتتبع لخرجات الفايد لا يجد أدنى صعوبة، ولا يسير مضض، في الوقوف على ملمح الاستنساخ حذو النعل بالنعل في خطابه الطارئ، فعمدة هذا الخروج لوك لعلكة شبهات من سبقوه من جيل التأسيس لهذه التهم، ومعشر التابعين لهم، ومن تبعهم بشر إلى يوم الدين، بل إن المرء ليستطيع أن يستشرف ليس من باب الرجم بالغيب، ولا الرمي بالكهانة، مستقبليات متتالية مضامين وحلقات سلسلة خرجات هذا المروق النكد، فغدًا أو بعد غد سيتوالى من الدكتور الفايد لوك منظومة من سبقوه إلى التلبس بهذه الحيدة وقد ذهب زبدهم جفاءً، فبعدما بدأت الدندنة منه ببيت شعري من تلك المنظومة السالفة الذكر قد قال في مطلعها أن في القرآن غنية وكفاية واستغناء، سينهال ضربا في السنة بدعوى أنها ليست كلها تشريع، ثم سيتساءل في سذاجة طافحة كيف لنا أن نقبل ونتقبل الحديث وقد تأخر التدوين، ثم سيأتي منه ما يقر به على تقديم المصلحة الكونية على النص الشرعي، ثم سينعت مظاهر التديّن والالتزام بعرى شعائر هذا الدين العظيم بأنها تمظهرات لا تمثل إلا تعلّقا بالقشور، وأنها انشغال بالأدنى عما هو خير وأهم، ولذلك فالحرية عنده مقدمة على تطبيق الشريعة، وأنه لا كهنوت في الإسلام، ولا وصاية لأحد على أحد، ذلك أنه لا يوجد ولن يوجد من يمتلك ناصية الحقيقة المطلقة، ومن ثم فالنص مقدس وفهمه غير مقدس، وأن أهل الحديث هم طغمة من الذين يحفظون ولا يفهمون، فلا قيمة لهم إذن ولا اعتبار، وأن الدين طاهر وسياسة الناس أمر قذر فلا يجتمعان أبدًا، ومن ثم وجب تحييد الدين وعزله بين جدران المساجد ووجدان المتعبدين فلا يكاد يتجاوزهما، إذ لا علاقة له بإدارة الأرزاق، ولا تحكم له في النواصي والرقاب والأعناق، وبين الفينة والأخرى سيصدر عنه ما يفيد الإزراء بالقرون المفضلة، والاستخفاف بعلوم الشريعة الغراء، والضرب في سيرة القدوات من العلماء والخطباء، وستجد منه شدة وصلفا في محاسبة ومراقبة ومعايبة الملتزمين، فهم عنده أصل كل بلية وأس كل رزية، والتركيز على زلات وعثرات المصلحين، واستسذاج خطاب الواعظين…
في مقابل ذبول الهمة منه وسكون الخاطر وكف الجارحة والضرب صفحا عن الصائلين المعتدين، بل الانخراط حد الإخبات والإنابة في مشروع موالاتهم والثناء عليهم والتماس المعاذير لخبثهم وجرائمهم، وتأويل سيء صنيعهم على منوال يجعل ظلمهم عدلا ووحشيتهم مدنية وتحضرا.
إن السيد الدكتور التحق بركب جيل المتحوّلين، من أولئك الذين استعظموا دنيا الكفار حد العشق والوله، وانبهروا بمدنيتهم السرابية الحائفة، وقيمهم الصقيعية الأنعامية الزائفة، وكانوا قد تضايقوا من بذاذة عيشنا، ومستحكم فطرتنا، ثم عزوا كل نكسة وسقطة وتولية وتقهقر إلى هذا الدين العظيم فرموه بالأفيونية والرجعية والظلامية، وربطوا به كل آفة وقيّدوه بكل سخافة…
ألا ساء ما يمكرون ويكيدون ويحكمون، ولإن تخلف المسلمون عن نصرة دينهم اليوم لقلة الزاد ونفاذ العتاد، فربنا لهم بالمرصاد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، نسأل الله للجميع العفو والمعافاة والثبات على الأمر ولو بمستمسك الجمر آمين.
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97
الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
Source link