منذ حوالي ساعة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن من تعمد الإفطار في رمضان من غير عذر فلا يقدر على القضاء أبدًا، ولا يقبل منه إذا صام على سبيل الاستدراك، وإنما يجب عليه التوبة النصوح، وأن يحافظ على صيام شهر رمضان في المستقبل، وأن يكثر من النوافل، وهو مذهب أبي محمد بن حزم وداود الظاهري ونصره شيخا الإسلام ابن تيمية وأبن القيم.
جاء في “المحلى” (4/308): “فمن تعمد ذاكرًا لصومه شيئًا مما ذكرنا – تعمد للأكل أو الشرب أو الوطء – فقد بطل صومه، ولا يقدر على قضائه إن كان في رمضان أو في نذر معين، إلا في تعمد القيء خاصة فعليه القضاء”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في “جامع المسائل” (7/ 227): “وإذا تعمَّد تفويتَ الصلاة والصيام، مع علمه بالوجوب، فهذا فعلُه من الكبائر، لا يَسْقُط عنه العقابُ ولو قضاه إلا بالتوبة، لكن هل يَخِفُّ عنه؟ فيه قولان، والأظهر أن القضاء لا ينفعه، وإنما تنفعه التوبة، وإذا تاب تاب الله”. اهـ.
وجاء في كتابه “منهاج السنة النبوية” (5/ 224- 225): “ولم يجوز الله لأحد أن يصلي الصلاة لغير وقتها، ولا يقبلها منه في غير وقتها ألبتة، وكذلك شهر رمضان؛ وفي السنن عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” “من أفطر يومًا من رمضان لم يقضه صيام الدهر وإن صامه”، قالوا: وإنما يقبل الله صيامه في غير الشهر من المعذور، كالمريض والمسافر والحائض، ومن اشتبه عليه الشهر فتحرى فصام بعد ذلك، فإنه يجزيه الصيام، أما المعتمد للفطر فلا.
قالوا: ولهذا لم يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي جامع أهله في رمضان بصوم، بل أمره بالكفارة فقط، وقد جاء ذكر أمره بالقضاء في حديث ضعيف ضعفه العلماء: أحمد بن حنبل وغيره، وكذلك جاء في الذي يستقيء عمدًا أنه يعيد، وهذا لم يثبت رفعه، وإنما ثبت أنه موقوف على أبي هريرة، وبتقدير صحته فيكون المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الاستقاء، أو المريض الذي احتاج إلى أن يستقيء فاستقاء؛ فإن الاستقاءة لا تكون في العادة إلا لعذر، وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء بلا حاجة، فيكون المستقيء متداويًا بالاستقاءة، كما يتداوى بالأكل، وهذا يقبل منه القضاء ويؤمر به.
قالوا: والمنازعون لنا ليس لهم قط حجة يرد إليها عند التنازع؛ وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر ثان، وليس معهم هنا أمر”.
وقال في “مجموع الفتاوى” (25/225): وجاء في ” أن من أفطر عامدا بغير عذر كان فطره من الكبائر وكذلك من فوت صلاة النهار إلى الليل عامدا من غير عذر كان تفويته لها من الكبائر وأنها ما بقيت تقبل منه على أظهر قولي العلماء كمن فوت الجمعة ورمى الجمار وغير ذلك من العبادات المؤقتة”. اهـ.
وجاء في كتاب “الصلاة وأحكام تاركها” (ص: 70-71) لابن القيم: “أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان: نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت، ونوع مؤقت بوقت محدود وهو نوعان: أحدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام.
والثاني: ما وقته أوسع من فعله كالصلاة، وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورًا بها؛ فإنه إنما أمر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها، قالوا: فما أمر الله به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعًا وإن أمكن حسًا، بل لا يمكن حسًا أيضًا؛ فإن إيتائه بعد الوقت أمر غير المشروع.
قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها، ولا الوقوف بعرفة بعد وقته، قالوا: ولا مشروع إلا ما شرعه الله ورسوله، وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة والصيام والحج إلا في أوقات مختصة بها، فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة، ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت، ولا الوقوف بعرفة في اليوم العاشر، ولا الحج في غير أشهره”. اهـ.
إذا تقرر هذا، فلا يجب عليك قضاء الأيام التي أفطرتها وإنما تجب التوبة النصوحة والإكثار من الأعمال الصالحة،، والله أعلم.
Source link