تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 27 من سورة المطففين
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) و { مِزاجه } : ما يمزج به . وأصله مصدر مازج بمعنى مزَج ، وأطلق على الممزوج به فهو من إطلاق المصدر على المفعول ، وكانوا يمزجون الخمر لئلا تغلبهم سَوْرتها فيسرع إليهم مغيب العقول لأنهم يقصدون تطويل حصة النشوة للالتذاذ بدبيب السكر في العقل دون أن يغُتّه غتّاً فلذلك أكثر ما تشرب الخمر المعتقة الخالصة تُشرب ممزوجة بالماء . قال كعب بن زهير
: ... شُجَّت بذي شبم من ماء محقبة
صَاف بأبْطَحَ أضحى وهَو مَشمول ... وقال حسان
: ... يَسقون مَن وَرَدَ البريضَ عليهمُ
بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرحيق السَّلْسَلِ ... وتنافسهم في الخمر مشهور من عوائدهم وطفحت به أشعارهم . كقول لبيد
: ... أغلي السِّباء بكل أدكن عاتق
أو جونة قُدحت وفُض ختامها ... و { تسنيم } علم لعين في الجنة منقول من مصدر سنَّم الشيءَ إذا جعله كهيئة السِّنام . ووجهوا هذه التسمية بأن هذه العين تصبّ على جنانهم من علوّ فكأنها سَنام . وهذا العلم عربي المادة والصِّيغة ولكنه لم يكن معروفاً عند العرب فهو مما أخبر به القرآن ، ولذا قال ابن عباس لمَّا سئل عنه : «هذا مما قال الله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } [ السجدة : 17 ] ، يريد لا يعلمون الأشياء ولا أسماءها إلا ما أخبر الله به . ولغرابة ذلك احتيج إلى تبيينه بقوله : { عيناً يشرب بها المقربون } ، أي حال كون التسنيم عيناً يشرب منها المقرّبون .