سنذهب لنرتوي من نبع آخر، وسينتظم الحديث عن حب آخر يأتي مباشرة بعد حب الله تعالى، وهو حب النبي محمد صاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلّم..
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى: {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾﴿ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِۦ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾﴿ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَدَعْ أَذَىٰهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا ﴾}
وعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضى الله عنه قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ مَثَلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ» .. والمعنى أن ( قريشا وهم على شركهم ذكروا رسول الله فقللوا من شأنه)
قال العباس: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ مَثَلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ وَخَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ تَخَيَّرَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ قَبِيلَةٍ ثُمَّ تَخَيَّرَ الْبُيُوتَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْسًا وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا “»
أيها الإخوة الكرام: على مدار شهر انقضى وزمان مضى كان لنا حديث عذب جميل عن بعض أسماء الله الحسنى، تعرفنا على اسم الله الحميد، واسمه الولي، واسمه الرحيم، واسمه الصمد..
تعرفنا المعنى وأدركنا المغزى وسألنا الله تعالى ببعض أسماءه وصفاته أن يصلح أحوالنا وأحوال أمة محمد أجمعين..
ومن اليوم وعلى مدار الشهر سنذهب لنرتوي من نبع آخر، وسينتظم الحديث عن حب آخر يأتي مباشرة بعد حب الله تعالى، وهو حب النبي محمد صاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلّم..
والسؤال يقول: ولماذا الآن؟ ولماذا الحديث تحديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
والجواب لأننا أصبحنا في زمان قلت في القدوة الصالحة الناصحة من ناحية، ومن ناحية آخرى قدم بعض التافهين وبعض المخمورين ليكونوا قدوة ومثالا يحتذى لأبناءنا وبناتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
أيها الإخوة الأفاضل:
يوم أذن الله تعالى للإنسان أن يتخذ لنفسه (قدوة وأسوة) لم يأذن إلا أن نتخذها في صفوة الخلق وخيرة الناس فقط..
ذلك لأن من تشبه بقوم فهو منهم،ومن أحب قوما حشر معهم قال الله تعالى ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىٓ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ {إِذْ قَالُوا۟ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُا۟ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحْدَهُۥٓ }
وقال عز من قائل { ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا،وأن يحفظنا في ديننا وأنفسنا وأزواجنا وأولادنا .. اللهم آمين.
اليوم نتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لنتعرف عليه أكثر، لنعرف بصيصا من قدره ومقداره العالي أكثر وأكثر ، لنعرف كم هو عظيم صلى الله عليه وسلّم، وكم هو كريم صلى الله عليه وسلّم وكم هو عالي المقام .. البشير النذير، السراج المنير صلى الله عليه وسلّم، نتعرف على رسول الله لنسمو ونعلو ونرتقي…
لكننا سنمسك ألسنتنا عن جميع الكلام، لنفسح المجال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ليحدثنا هو عن نفسه الزكية عليه الصلاة والسلام..
وفي العموم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن نفسه بنفسه إلا قليلا، تواضعا وحياء منه صلى الله عليه وسلّم، ومن هذا القليل ظهرت الشخصية العظيمة الكريمة الشريفة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم..
تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نفسه بنفسه حديث (عالى القدر المتواضع) صلى الله عليه وسلّم، حديث الذي يفرح بنعمة الله فرحا يبلغ عنان السماء لكنه فرح يحمل صاحبه على شكر المنعم سبحانه وتعالى..
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: «جَلَس نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ قَالَ فَخَرَجَ عليهم حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الأنبياء فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَجَبًا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ خَلِيلًا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَقَالَ آخَرُ مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا وَقَالَ آخَرُ فَعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ وَقَالَ آخَرُ آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ عز وجل !! »
قال ابن عباس: « فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رسول الله فَسَلَّمَ وَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ.. ثم تكلم بنفسه عن نفسه فقال عليه الصلاة والسلام: أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَا فَخْرَ » “
قلت: وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نفسه بنفسه في هذا الأثر،ولن نتكلم اليوم عن غير هذا الأثر ففيه الكفاية..
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نفسه بنفسه في هذا الأثر وفي أمثاله إنما هو من باب { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
وفي حديث النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَلَى الْمِنْبَرِ « مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌوَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ»
تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نفسه بنفسه حديث الشاكر لله رب العالمين، حديث المقر بنعمة الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام: «أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَا فَخْرَ» “
هو صلى الله عليه وسلّم واحد من الخمسة أولي العزم من الرسل ( نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، لكنه فيما بينهم هو المقدم.. قدمه ربه سبحانه وتعالى عليهم فقال الله تعالى {﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ﴾ }
هو صلى الله عليه وسلّم واحد من الأنبياء لكنه فيما بينهم الأعظم، هو واحد من الرسل لكنه فيما بينهم الأكرم، هو فيما بينهم الأعلى درجة والأرفع منزلة قال الله تعالى {﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ ۚ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ۗ ﴾ }
أتى الحديث عن موسى عليه السلام في قول الله تعالى {﴿مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ ۖ ﴾}
وأتى الحديث عن سيدنا عيسى عليه السلام في قول الله تعالى ﴿ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ۗ ﴾
أما المقصود بقوله سبحانه وتعالى {﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ ۚ ﴾} فقيل هو سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام، وقيل هو سيدنا إدريس عليه السلام والذي رفعه الله تعالى مكانا عليا، وقيل هو سيدنا داود عليه السلام والذي آتاه الله الملك والنبوة..
قلت: ومن المفسرين من يرى غير ذلك..
قال العلامة الزمخشري عليه رحمة الله: وأما قوله تعالى (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) أى ومنهم من رفعه الله على سائر الأنبياء، فكان هذا النبي بعد تفاوت الأنبياء في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة..
قال: والظاهر أن الله تعالى أراد به محمدا صلّى الله عليه وسلّم..
لماذا؟ لأنه هو المفضل على سائر الرسل حيث آتاه الله تعالى ما لم يؤت أحدا غيره من المعجزات المتكاثرة والتي تبلغ ألف معجزة أو أكثر. ويكفيه صلّى الله عليه وسلّم أنه أوتى ( القرآن الكريم) لأن القرآن هو المعجزة الباقية على وجه الأرض دون سائر المعجزات..
{﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ ۚ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ۗ ﴾ }
سمى الله في الآية بعض النبيين بأسماءهم، وعند الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم أبهم اسمه فقال { (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ)} وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه صلى الله عليه وسلّم( العَلَمُ) الذي لا يُشْتبه، والمُتميز الذي لا يُلتبس..
{﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ ۚ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ ۗ ﴾}
«عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيْنَمَا أَدْرَكَ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ يُصَلِّي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَلَمْ يُعْطَ نَبِيٌّ قَبْلِي وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً)»
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا محبته، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يظخلنا الجنة بصحبته إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث أن نقول: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا عن نفسه مزكيا لها ومادحا لها فهل يجوز لأي إنسان أن يتكلم عن نفسه أو أن يمتدح نفسه؟
والجواب نعم.. وقد يكون الجواب لا..
الجواب نعم يجوز للإنسان أن يمتدح نفسه إذا كان كلامه عن نفسه لا يضره، ولا يفتنه، نعم يجوز للإنسان أن يتكلم عن نفسه إذا كان كلامه عن نفسه لا يصيبه بالعجب ولا بالغرور..
يجوز للإنسان أن يتكلم عن نفسه ويذكر بعض محاسنه حين يكونَ في كلامه عن نفسه مصلحة دينية، حين يكون آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر أو حين يكون ناصحاً أو حين يكون معلماً أو مؤدباً أو واعظاً أو مذكِّراً أو مُصلحاً بين اثنين.. فيسمح له في مثل هذه الأوقات أن يتكلم عن نفسه وعن حكمته وعقلانيته وتجاربه وخبرته لأن ذلك أقرب لقبول قوله والعمل به..
ومن هذه الزاوية أتى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نفسه بمثل قوله «(وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ) » وبمثل قوله ”أنا النَّبِي لا كَذِبْ”
ومنه أيضا مدح يوسف عليه السلام نفسه بقوله { إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
قلت وقد يكون الجواب لا.. قد لا يجوز للإنسان أن يمتدح نفسه إذا كان حديثه عن نفسه حديث المغرور، لا يجوز للإنسان أن يتكلم عن نفسه إذا كان كلامه عن نفسه كلام المعجب بنفسه المتكبر المتفاخر..
قلت: وهذا غالب في العادة ولذلك قال الله تعالى {﴿فَلَا تُزَكُّوٓا۟ أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ ﴾ }
ويأتي في نفس السياق الذي ينهى عن المدح عند خوف الفتنة حديث أبي بكرة رضي اللّه عنه؛ أن رجلاً ذُكِرَ عندَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأثنى عليه رجلٌ خيراً، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم..
قلت ولعله بالغ في المدح حتى قال له النبي عليه الصلاة والسلام ”وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ـ يقوله مراراً ـ إنْ كانَ أحَدُكُمْ مادِحاً لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ كَذَا وكَذَا إنْ كانَ يَرَى أنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ وَلا يُزَكِّي على اللَّهِ أحَداً”.
قال أهل العلم: وسبيل الجمع بين الآيات التي تسمح والآيات التي تمنع، وبين الأحاديث التي تأذن والأحاديث التي تنهى أن يُقال: إن كان الإنسان المتكلم بالمدح عن نفسه أو عن غيره عنده كمالُ إيمان وحسنُ يقين ورياضةُ نفس ومعرفةٌ تامة بحيث لا يفتتن ولا يغترّ بذلك ولا تلعبُ به نفسُه فليس بحرام ولا مكروه، وأما إن خيف عليه شيءٌ من العجب والغرور كُرِهَ مدحُه كراهةً شديدة.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا جميعا في ديننا وأنفسنا وأزواجنا وأولادنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
Source link