منذ حوالي ساعة
كَظم الغيظ له عاقبة كريمة، فعلينا أن نَكظم الغيظ مهما كانت الإساءة، ومهما توافرت أسباب الرد عليها، بل السَّماحة والعفو؛ طلبًا لعفو الله الكريم، وطمعًا في ثواب الله العظيم…
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنَّها الجائزة العظيمة، وإحدى النِّعم الجليلة، إنَّها نعمة الحور العين، وعندما يتتبَّع المسلم وصفَ الحور العين في القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة، سيسارع بالتسبيح لله الخالِقِ العظيم، والحمدِ لله الكريم.
• ولن يجد المسلم وصفًا يُحاكي وصفهنَّ في القرآن الكريم، فتبارك الله أحسَن الخالقين.
• قال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22، 23]، وفي الآية الكريمة يقول الإمام الطَّبري رحمه الله تعالى: “هنَّ في صفاء بياضهنَّ وحُسنهنَّ، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صِينَ في كِنٍّ”؛ (تفسير الطبري).
• وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 56 – 61]، وفي ذلك يقول الإمام السعدي رحمه الله تعالى: ” {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}؛ أي: قد قصرنَ طرفهنَّ على أزواجهنَّ؛ مِن حسنهم وجمالهم، وكمالِ محبتهنَّ لهم، وقَصرنَ أيضًا طرف أزواجهنَّ عليهن؛ من حسنهن وجمالهن ولذَّة وصالهنَّ، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}؛ أي: فبأيِّ نِعَم الله الدينية والدنيوية تكذبان؟ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}؛ أي: لم ينلهنَّ قبلهم أحد من الإنس والجن، بل هنَّ أبكار عُرب، متحببات إلى أزواجهنَّ، بحسن التبعُّل والتغنج والملاحة والدلال، {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}؛ وذلك لصفائهنَّ وجمالِ منظرهن وبهائهن، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}؛ أي: هل جزاء مَن أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنَّعيم المقيم، والعيش السليم؟ فهاتان الجنَّتان العاليتان للمقرَّبين”؛ (تفسير السعدي).
• وقال الله سبحانه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25]، وفي تفسير قول الله تعالى يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: “قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: “مُطهَّرة مِن القَذر والأذى”، وقال مجاهد: “مِن الحيض والغائط، والبول والنخام والبزاق، والمني والولد”، وقال قتادة: “مطهَّرة من الأذى والمأثم”، وفي روايةٍ عنه: “لا حيض ولا كلف”، وقوله تعالى: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: هذا هو تَمام السَّعادة؛ فإنَّهم مع هذا النَّعيم في مقام أمين مِن الموت والانقطاع، فلا آخر له ولا انقضاء، بل في نعيم سرمديٍّ أبدي على الدوام، والله المسؤول أن يحشرنا في زُمرتهم، إنَّه الجواد الكريم، البرُّ الرحيم”؛ (تفسير ابن كثير).
وورد في السنَّة النبويَّة وصف عجيب يَحتار من جماله المسلمون:
• فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنَّ أمَّ حارِثَة أتَت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وقد هلَك حارِثَةُ يومَ بدرٍ، أصابَه غَربُ سهمٍ، فقالَت: يا رسولَ الله، قد علِمتَ موقِع حارِثةَ من قلبي؛ فإن كان في الجنَّة لم أبكِ عليه، وإلا سوف ترى ما أصنَعُ؟ فقال لها: «هَبِلتِ، أجنةٌ واحدةٌ هي؟! إنَّها جِنانٌ كثيرةٌ، وإنه لفي الفِردَوس الأعلى»؛ (البخاري).
• وقال: «غَدوَةٌ في سبيل الله أو رَوحَةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَقابُ قَوسِ أحدِكم، أو موضِعُ قدمٍ من الجنَّة، خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من نساءِ أهلِ الجنةِ اطَّلعَت إلى الأرضِ لأضاءَتْ ما بينهما، ولملأَتْ ما بينهما رِيحًا، ولنَصِيفُها – «يعني الخِمارَ» – خيرٌ من الدنيا وما فيها»؛ (البخاري).
فما أجمل هذا الحديث الشَّريف وما فيه من الحِكم والمواعظ، التي نَحتاج لتدبُّرها يوميًّا وشحذِ عزيمتنا بما فيها من ترغيبٍ كريم وأجر عظيم! وفي الحديث الشريف بيان لفضيلة الجِهادِ وأثَره، ووصف للنَّعيم وجماله، وبلاغة في وصف جمال الحور العين، فكيف لمسلم أن يدرك جمالهنَّ إذا كان خمارهنَّ خيرًا من الدنيا كلها وما فيها من نَعيم؟ فإذا كان هذا وصف نصيفهنَّ، فكيف لنا أن ندرك جمالهنَّ؟!
إنَّ كظم الغيظ عِبادة رفيعة الشَّأن، تستوجب قهرَ النَّفس لوجه الله تعالى، قال الله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134]، وفي الآية الكريمة بيانٌ لوصف الذين يسارِعون إلى مَغفرة الله ذي الجلال والإكرام، ويسارعون إلى التمتُّع بنعيم الجنَّة، وهم {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} ، وهذه خصوصية لِمن كان الإنفاق نهجًا في حياته، لا يعتريه عارِض من عوارض الدنيا ليمنعه من الإنفاق، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}؛ وهم الذين آثَروا مَرضاة الله تعالى على انتصارهم لأنفسهم، فكبحوا جماحَ النَّفس التي تأمر بالانتقام، {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}؛ وهم أصحاب المنزلة الكريمة التي يدرِكُها المخلصون؛ فالعفو يتطلَّب عزيمة قويَّة لجعل سَماحة النَّفس تعلو على تذكُّر إساءة الغير، وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: “يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم؛ لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنَّما يكون ممَّن تحلَّى بالأخلاق الجميلة، وتخلَّى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجَر مع الله، وعفا عن عباد الله؛ رحمة بهم، وإحسانًا إليهم، وكراهة لحصول الشرِّ عليهم، وليعفو الله تعالى عنه، ويكون أجره على ربِّه الكريم، لا على العبد الفقير؛ كما قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]”؛ (تفسير السعدي).
• وورد في السنَّة النبوية أن كظم الغَيظ مع القدرة على إنفاذه سببٌ للحصول على الحور العين؛ فعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كَظم غيظًا، وهو يستطيع أن ينفذه، دعاه اللهُ يومَ القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيِّره في أيِّ الحور شاء»؛ (الترمذي والألباني)؛ ولذا فكَظم الغيظ له عاقبة كريمة، فعلينا أن نَكظم الغيظ مهما كانت الإساءة، ومهما توافرت أسباب الرد عليها، بل السَّماحة والعفو؛ طلبًا لعفو الله الكريم، وطمعًا في ثواب الله العظيم، فكلُّ البشرى والفلاح في الدنيا والقبر والآخرة لِمن كان للغَيظ من الكاظمين، وتحلَّى بصفات المحسنين.
نسأل اللهَ تعالى العفوَ والمعافاة والعافية لنا والمسلمين، وأن يجعلنا من المحسنين، والحمد لله ربِّ العالمين، ونصلِّي ونسلِّم على سيد الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه، ومَن اتَّبعهم وسار على نهجهم، وعلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة أجمعين[1].
[1] فكرة المقال مستوحاة من مقال للداعية أبو الهيثم محمد درويش على موقع طريق الإسلام بعنوان: “أيها النادر، هنيئًا لك الحور”، وأيضًا من فتوى لموقع الإسلام سؤال وجواب بعنوان: “صفات الحور العين في الكتاب والسنة”، فجزاهم الله تعالى خيرًا.
Source link