قد أجيبت دعوتكم.. فاستقيموا – طريق الإسلام

لقد كان رمضان ميدانا يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق فيه المتسابقون، ويحسن ويجد فيه المؤمنون. تعودت فيه النفوس على الطاعة، وتربت على الفضيلة، وترفعت عن الرذيلة، وسعت لاكتساب الخير والهدى والبر والتقى. خشعت فيه قلوب، ودمعت فيه عيون، وزكت فيه نفوس، وتهذبت فيه أخلاق.

وقد مضى رمضان.. ودائما ما يأتي السؤال: وماذا بعد رمضان؟
والإجابة قد أجاب بها رسول الله على الله عليه وسلم منذ قرون على السائلين عن العلاج الناجع والساعين إلى الدواء النافع فقال لمن سأله:
«قل آمنت بالله ثم استقم».
فالاستقامة بعد الطاعة هي أعظم كرامة.

فإذا كان الله قد حباك في رمضان بشجرة الطاعة والتزام العبادة، فيلزمك أيها الموحد الموفق أن تستقيم عليها، وتعتصم بها بعد رمضان. قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
قال أبو بكر: استقاموا فعلا كما استقاموا قولا.
وقال عمر: لم يروغوا روغان الثعالب.
أي لم يتعاملوا مع الله بذمتين: ذمة رمضانية وأخرى غير رمضانية. ولم يكونوا كذي الوجهين الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.

 

أيها الأحبة:
إن انقضاء رمضان ليس معناه أن يتوقف الإنسان عن العبادة والطاعة، فهذا لا يعرف ربه إلا في رمضان، ومن كان لا يتعبد إلا في رمضان فإن رمضان يذهب ويزول، ومن كان يعبد الله فإن الله حي باق لا يزول ولا يحول.
وقد قيل لبشر بن الحارث: إن قوما يجتهدون ويتعبدون في رمضان (يعني ويتركون العمل بعده)؟
فقال: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، إن الصالح يتعبد ويجتهد السنة كلها.

وسئل الشبلي: أيهما أفضل: رجب أم شعبان؟ فقال: كونوا ربانيين، ولا تكونوا شعبانيين.

ونحن نقول: أيها المسلمون  “كونوا ربانيين، ولا تكونوا رمضانيين” ! ؛ فإن رب رمضان هو رب شعبان، وهو رب شوال وهو رب الشهور كلها.

وليس للعبادة زمن محدود ولا للطاعة والتقوى وقت مخصوص معدود، وإنما هي وظيفة العمر كما كقال تعالى لنبيه: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} أي الموت.

والاستقامة إنما تطلب من العبد في أعلى حالاته، وأحسن أوقاته.
فقوله سبحانه لنبيه:
{فاستقم كما أمرت} إنما نزل وهو يقارع المشركين ويدعوهم إلى رب العالمين، ويجاهد في العبادة فيقوم الليل كله إلا قليلا.. ولذلك لما نزلت عليه قال: [شيبتني هود].

ونبي الله موسى في أشد الكرب، وأعظم حالاته مع فرعون وقومه حتى بلغ السيل الزبى وبلغت الروح الحلقوم، حتى دعا ربه {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ . قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس:88، 89]قد أجيبت دعوتكما فاستقيما..

وأنت أيها الحبيب، وأنتم أيها الكرام!
إذا كانت دعوتكم قد أجيبت في رمضان فاستقيموا بعد رمضان.
وإذا كانت عبادتكم قد تقبلت في رمضان فاستقيموا عليها بعد رمضان.
وإذا كانت صدقاتكم قد عظمت في رمضان فاستمروا عليها بعد رمضان.

المداومة من علامات القبول:
إن أعظم علامات القبول: دوام الطاعة بعد مواسم العبادة، وإن أعظم كرامة بعدد رمضان دوام الاستقامة على ما كان العبد عليه من أعمال فيه.

أما النكوص والارتداد على الأعقاب بمجرد انتهاء مواسم الخير فهو من علامات الرد والخذلان وعدم القبول.. وهو علامة ودليل على عدم صدق القلب في التوبة، وعلامة على العزم على العودة إلى الذنب بعد رمضان، وأمثال هؤلاء هم الذين قال عنهم ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “من استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إليها بعد الشهر ويعود، فصومه مردود، وباب القبول عليه مسدود.

وقد حذرنا الله هذا المسلك الردي فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92].
كانت امرأة من قريش يقال لها ريطة بنت سعد، تجلس طيلة اليوم تغزل غزلا رقيقا، ثم إذا غربت الشمس أخذت بطرف خيطها وأفسدت كل غزلها، فلم تنتفع بشيء مما فعلت. فحذرنا الله من أن نكون مثلها أو أن نفعل مثل فعلها.

فيا من أعتقه الله من النار، إياك أن تعود إلى رق الأوزار
فإن امرءا ينجوا من النار بعدما .. تزود من أعمالها لسعيد

لا تتركوا العبادة:
إننا لا نشترط أن نكون بعد رمضان كما كنا فيه.. فنحن نعلم أن رمضان موسم عظيم فيه من المعينات على العبادة ما لا يجتمع مثله إلا في رمضان الذي بعده.

فلا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان، ولكن نقول: لا تنقطعوا عن العبادات، وفعل الخيرات، وإقام الصلوات، وبذل الصدقات وقراءة الآيات، ومدامة الدعوات.

وقد حذرنا النبي من ترك العبادة بعد التعود عليها فقلا لعبد الله بن عمرو: [يا عبد الله! لا تكن كفلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل].
وقد سئلت عائشة عن عمله فقالت: “كان عمله ديمة”.
وقالت: “كان أحب العمل إليه ما داوم عليه صاحبه”.
وقال صلى الله عليه وسلم:
«إن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه، وإن قل».

فيا أيها الموفقون المجتهدون .. قد أجيبت دعوتكم فاستقيموا.

اللهم كما أعنتنا على العبادة في رمضان، أعنا عليها بعد رمضان، وكما أكرمتنا بالصيام والقيام في رمضان أكرمنا بها بعد رمضان.. وتقبل منا ما كان في رمضان وما بعد رمضان. يا كريم يا منان.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *