منذ حوالي ساعة
إن من سُنَّةِ الله في خَلْقِهِ أن يبتليَهم بالمصائب، وهذه المصائب تختلف على حسب أنواعها؛ فتارةً تكون في البدن، وتارةً تكون في المال، وتارةً تكون الذرية، والمؤمن يعلم يقينًا أن ما أصابه بقدر الله وحكمته…
إن من سُنَّةِ الله في خَلْقِهِ أن يبتليَهم بالمصائب، وهذه المصائب تختلف على حسب أنواعها؛ فتارةً تكون في البدن، وتارةً تكون في المال، وتارةً تكون الذرية، والمؤمن يعلم يقينًا أن ما أصابه بقدر الله وحكمته، ومن ابتلاهم الله في أبدانهم تختلف أحوالهم باختلاف أمراضهم، وبحسب خفة المرض وشدته، ويعلم المؤمن أن هذه الأمراض هدايا من الله تعالى؛ لِما فيها من الأجر العظيم، وأنه لا يضيع لديه مثقال ذرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»،
ما أعظم عفو الله ولطفه؛ حيث جعل كل ما يصيب المسلم من صغير أو كبير كفارةً له! وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يُرِدِ الله به خيرًا، يُصِب منه»، فالمسلم يحتسب الأجر والثواب عند الله إذا أصابه بلاء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبت لأمر المؤمن؛ إن الله لا يقضي له قضاءً إلا خيرًا له»، فكل أحوال المؤمن خير له، وكذلك المرض سبب لرفعة المنزلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل لَيكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعملٍ، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها»، وكذلك المرض يكون سببًا لدخول الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحَبِيبَتَيه فصبر، عوَّضته منهما الجنة»، والمراد بـ”حبيبتيه” عيناه، وفي الحديث أيضًا أن امرأةً قالت: ((يا رسول الله، إني أُصرَع، وإني أتكشَّف، فادعُ الله لي، قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله تعالى أن يعافيكِ» ، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادعُ الله ألَّا أتكشف، فدعا لها))، وقد يكون الابتلاء دليلَ محبة الله تعالى لعبده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم»، وقد يكون المرض سببًا في حصول الخير، ودفع الشر؛ لقول الله تعالى:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وقد يكون العبد مقصرًا أو مهملًا فيُمرضه الله تعالى؛ لكي يتوب إليه، ويُقبِل عليه.
ومع كل هذا الأجر العظيم المترتِّب على الأمراض التي تصيب المرء، إلا أن نعمة الصحة والعافية عظيمة عند المرء؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «(ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء»، وتذكر دائمًا أن الشفاء على وجه الحقيقة إنما هو من عند الله تعالى؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [يونس: 107]، فالإنسان يباشر أسباب الشفاء بجوارحه، وأما القلب فليتعلق بالشافي سبحانه وتعالى، فأقْبِل على الله وقد أحسنت الظن به؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي ما شاء؛ إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر»، فتأمل هذا الحديث وتدبَّره، وأحسِن ظنك بالله، واعلم أنه على كل شيء قدير، فإن هذا الظن الحسن منك يهوِّن عليك المرض، ويجعل من الأمر العسير يسيرًا، ويجعلك تبشَّر بالخير الكثير، وإن أمر شفائك لدى الله يسير، فذلك سيُشعرك براحة نفسية، وطمأنينة قلبية، وإن علِمَ الله أنك صادق في إحسان الظن به، يشفِك بما تراه أنه ليس بسبب؛ فيشفيك بقلبك السليم المليء بحب الله وطاعته، والتوكل عليه، والرضا عنه؛ فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام الذي جاء ربه بقلب سليم يقول: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، ويشفيك بالصدقة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة»، والصدقة ليست محصورة في المال فقط، فكل قول أو عمل فيه رضا الله وطاعته، أو إحسان إلى خلقه، يكون صدقة، ويشفيك بالدعاء؛ قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، فالمريض مضطر؛ فهذا أيوب عليه السلام الذي أنهك المرض جسده، وكان صابرًا محتسبًا لم يفقدِ الأملَ بربه؛ حتى دعا ربه بدعاء حييٍّ مليء باليقين: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، فإذا بأبواب السماء تنفتح بالرحمة؛ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2]، فكان الشفاء أقرب مما يظن: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، وأنت – أيها المريض – قد يكون شفاؤك قاب قوسين أو أدنى، فتوجَّه إلى الله متوسلًا إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يُلهِمَك ويُرشِدك ويدلك على الشفاء، فإذا علِم الله صِدقَك معه، فستُشفى بأدنى سبب أو بلا سبب؛ لأنه هو الشافي، ويشفيك الصبر والرضا؛ فالمرض أقسى اختبار للرضا، فإذا رضِيتَ عن الله، يرضى الله عنك ويشفيك، ويشفيك بالاستغفار؛ لأنه هو الغفور، فأنت تستغفره فيغفر لك ويشفيك، ويشفيك بالإحسان إلى خلقه؛ لأنه هو الشكور، فأنت تحسن إلى خلقه فيشكرك ويشفيك، ويشفيك لأنه هو الرحيم، فأنت تكون رحيمًا مع خلقه فيرحمك ويشفيك، ويشفيك لأنه هو الفتَّاح فأنت تفتح بابَ خيرٍ لعباده فيفتح لك أبواب الخيرات ويشفيك، ويشفيك لأنه هو العليم فتكون لك سريرة لا يعلمها إلا العليم سبحانه فيشفيك بها، ويشفيك لأنه هو اللطيف، فالطُف بمن تحت يدك، يريك من آثار لطفه فيشفيك، وهكذا جميع أسمائه الحسنى فكل اسم لديه سر، فاسأل الله أن يطلعك عليه، ويفتح عليك باب الفهم في أسمائه، والعمل به، واسأله باسمه الشافي أن يشفيَك، لا شفاء إلا شفاؤه، شفاءً لا يغادر سقمًا.
___________________________________________________
الكاتب: عادل علي قاسم
Source link