ابن مسعود: «لا تعلموا العلم لثلاث لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى وينفد ما سواه»
إن أكثر الناس حاجة الى التوازن بين الأخلاق والسلوك هم العاملون فى مجال الدعوة فهم الأكثر اتصالا بالناس والأكثر تأثيرا فيهم وتأثرا بهم فهم من يقتدى بهم الناس ويسيروا على دربهم فإن كانت أخلاق الداعية هى التى تجعل منه قدوة يقتدى بها الناس فإن أمراض القلوب هى الداء الذى يفتك بالداعية قد لا تظهر أعراضه عليه كما تظهر أعراض المرض العضوى ولكن بمرور الوقت ينطفىء نور القلب ويذهب بريقه وبالتالى يفقد تأثيره فى الناس إذ كيف يصل الداعية إلى قلوب الناس وتصل كلماته إليهم وهو قد أشرب قلبه حب الشهرة والتصدر و اغتر بعمله أو فترت همته كيف يواصل الطريق ولم يقف مع نفسه وقفة يفتش فى قلبه فإذا وجد فيه ما يفسد عليه الطريق فليتطهر منها قبل أن يأتى يوما فيستبدله الله عزوجل
ومن هذه الأمراض
إن الرياء من أخطر الأمراض التى تخترق قلب الداعية وتأخذه بعيدا عن طريق الحق والاستقامة فتراه يضل من حيث يحسب أنه يحسن صنعا
من بداية الطريق فإن العلم الذى يتعلمه لينفع به نفسه والناس لابد أن يكون صادقاً مع الله ومخلصاً له فى تعلم هذا العلم
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « «مَنْ تعلَّم علْمًا ممَّا يُبْتَغى به وَجْهُ الله عز وجل لا يَتَعلَّمُه إلا لِيُصِيبَ به عَرَضًا من الدنيا، لمْ يَجِدْ عَرْفَ الجنة يومَ القيامة»» .
والرياء فى حياة الداعية يتخذ صورا وأشكالاً عدة منها محبة المدح والثناء تجده يفرح إذا مدحه هذا ويحزن إذا ذمه آخر إذا قالوا عنه ما أبلغ حديثه وأحسن صوته فيعجبه ذلك وإذا قالوا أنه ليس يحسن الحديث أحزنه ذلك وشق عليه فليعلم الداعية أنه متى اهتم بنظر الناس له فقد خلع ربقة الإخلاص وتمكن الشيطان منه
ومن خبايا وخفايا الرياء التى لا يشعر بها الداعية هى كثرة الحديث عن أعماله وما لاقاه من كد وتعب والذي قد يكون فى ظاهره بث لروح الحماس فى الناس وتشجيعهم على مواصلة الطريق والصبر عليه إلا أنه فى قرارة نفسه قد تكون رغبة فى إعلاء صورته عند الناس وكسب قلوبهم وقد يكون من خفايا هذا المرض أيضا أنه ينسب عمل قام به فريق عمل إلي نفسه وأنه صاحب الفكرة ولا يذكر أسماء من عاونوه فيه والذى بدوره يوصله إلى نسب أعمال ليست له إلى نفسه ومنها أيضا أن يذم نفسه أمام الناس ليقولوا عنه انه متواضع فترى الناس تثنى عليه ما أزهده كما أن منها أيضا استغلال الفرص لإبراز أعماله وكم قدم للدعوة وكان سبباً فى إسلام كم ألف شخص وكم كان سببا فى هداية التائهين من المسلمين وكم قدم يد العون فى لجان الإغاثة للبلاد والعباد ليوهم الناس أنه يحمل هم الدعوة ليل نهار وأنه التقى بهذا الشيخ المشهور وذاك العالم الجليل
فليسمع قول أحد الصالحين : آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور.
فمن وجد من نفسه شيئا كهذا فليراجع علاقته بالله ويسأله أن يرزقه الإخلاص فى القول والعمل لأن العمل للناس رياء وترك العمل للناس رياء أيضا وبينهما خط رفيع اسمه الإخلاص كأنه حد السيف
وعندما يعلم أن هذا المرض الخطير سيكون سبباً فى سوء خاتمته والعياذ بالله
تأمل معى حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود “ «إنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها ، وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ فيَدخلُها»
وهذا الحديث شديد على النفس ولكنه حق كيف يحدث هذا التغير والتحول لأن القلب من البداية غير صادق مع الله ولم يكن مخلصاً له وأن الله يعلم منه ذلك فختم له بما فى قلبه ولو أخفاه عن الناس سنوات وسنوات فعليه أن يبحث عن الإخلاص فى عمله لأنه مهما عمل من أعمال لايدرى أقبلت منه أم لا ؟
ليعلم صاحب الرسالة أن الرياء مرض يبطل الأعمال وإن كانت مثل جبال تهامة فهو عمل لم يبتغى به وجه الله يشهد لهذا ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله”» . فعليه ان يحفظ عمله بالإخلاص وكتمان الحسنات
وليتذكر أن كل عمل يقدمه هو محض توفيق من الله فكيف يوفق المرائى بعمله ويجعل الناس تقبل عليه بقلوبهم فتراه إذا تكلم لا يسمع وإذا عمل لا يؤثر وهذا نراه فى بعض المشايخ من إذا تكلم لا يتعدى الكلام اللسان لا يخرج من القلب لان الله عزوجل لا يمنح التوفيق والسداد فى القول إلا لمن علم منه الإخلاص وصدق توجه إليه،
وليعلم المرائى أنه أول من تسعر به النار وإن كان العمل صالحاً ولكنه ليس بإخلاص لله تأمل حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه :” “ «إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة، رجل استشهد، فأتى به فعرَّفه نعمته فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار» ،…….” [رواه مسلم]
انظر إلى هؤلاء الثلاثة الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم وماذا بعدالتضحية بالنفس إنها أعلى درجات التضحية ولكن الأمر يحكمه صدق نية مع الله
وفى النهاية فإن الداعية لا يخلص لله إلا عندما يعرف ربه فمن عرف ربه لا يلتفت إلى شىء سواه ويعلم أن الخلق لا تملك له ضرا ولا نفعا فلا يتأثر برأيهم ويعلم أنهم لن يغنوا عنه شيئا يوم القيامة إذا أخذه زبانية جهنم للعذاب ولينظر غلى النفس نظره التقصير مهما وصل غلى مكانة أو علم وليعلم أن معركته الحقيقة مع النفس والشيطان الذى لا يكل ولا يمل بشتى الطرق ليفسد عليه نيته فليكن دائما على حذر ويجدد نيته وليحرص على إخلاص نيته كما يحرص الشحيح على ماله
حب التصدر والشهرة
إن من طبائع النفس البشرية التطلع إلى الشهرة وحب الظهور ولكنه مرض من أمراض القلوب لو تركه صاحبه ولم ينتبه له لأهلكه فقد وجدنا فى الآونة الاخيرة أن هناك من الدعاة من يفتى فتوى غريبة ومن يروج لحديث “ضعيف” أو “موضوع ” ليرضى أهواء الناس على حساب الدين كل ذلك حتى يتصدر مواقع التواصل الاجتماعى ويظهر وهذا إن دل فإنما يدل على تعلق القلب بالبشر وحب السمعة
ومن أعراض هذا المرض أيضا أن الشخص عنده رغبة فى التسلط على الآخرين والسعى للتحكم والسيطرة فهو يجد متعة فى أن يكون فى الصدارة
إن كثير من الناس تتوق إلى أن يشار إليها بالبنان أو أن يكون حديث المجالس لذا تجده يسعى لإشباع هذه الرغبة وليس هذا فقط إنما يبرر لنفسه كل وسيلة موصلة إلى ذلك إنها الشهوة الخفية فعلا التى تقدح فى الاخلاص لله وقبول العمل فقد أصبح يسعى لدنيا ويوالى ويعادى الناس بناءا على مصلحة شخصية وحب ذات
وكما قيل حب الظهور من قواصم الظهور فقد يغتر الداعية من ثناء الناس عليه فتغلبه نفسه وقد يكون الأتباع سبباً فى هلاك الداعية بكثرة مدحه والثناء عليه وقد يظن من يحب الصدارة وتقلد المناصب أن المنصب تشريف ولا يدرى أنه مسئولية وأمانة سيسأل عنها يوم القيامة وإذا بحثنا عن أصل هذا المرض نجد أن السبب هو التطلع للأجر الدنيوى وكأنه تعويضا له على الجهد الذى يبذله مع الناس فيجد متعة فى توقير الناس له واحترامهم له وينتظرها فى بعض الأحيان وهو مدخل كبير من مداخل الشيطان
لذلك حذر منه ابن القيم فقال : «وليحذر كل الحذر من طغيان ” أنا “، ” ولي “، ” وعندي “، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس، وفرعون، وقارون، ف «(أنَا خَيْرٌ مِنْهُ)» لإبليس، و { {لِى مُلْكُ مِصْرَ} } لفرعون، و {{إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}} لقارون. وأحسنُ ما وضعت ” أنا ” في قول العبد: أنا العبد المذنب، المخطئ، المستغفر، المعترف ونحوه. ” ولي “، في قوله: لي الذنب، ولي الجرم، ولي المسكنة، ولي الفقرُ والذل: ” وعندي ” في قوله: ” اغفر لي جدي، وهزلي، وخطئي، وعمدي، وكل ذلك عندي». زاد المعاد (2/434-435)
فإن وجد الداعية من نفسه الحرص على أن يناديه الناس بالشيخ أو الداعية أو طالب العلم وتراه يقلل من شأن الآخرين ويغار عند مدحهم أو يصر على رأيه ولا يتنازل عنه وإن ظهر أنه خطأ أو أنه يتجرأ على الفتى والمسارعة إليها أو يقلل من مبادرات وأعمال الغير فليعلم أنه على خطر كبير وقد اشرب قلبه حب الشهرة والتصدر وعليه أن يعالج هذا الداء قبل أن يعرض نفسه للاستبدال من قبل المولى عزوجل لأنه لا يستخدم عنده مرضى القلوب وليتذكر كيف ينظر السلف الصالح لهذا الداء
كانوا يظنون أن الشهرة ابتلاء فهذا الإمام أحمد بن حنبل يوصى أحد تلاميذه فيقول إياك والشهرة فإنى ابتليت بها وهناك من السلف من كان يخالف الطريق حتى لا يعرفه أحد
إن الداعية الصادق فى الأصل يعمل لله وليس لبناء أمجاد شخصية أو يفاخر العلماء بعمله وكلما تمكنت منه نفسه ليتذكر قول الله تعالى
إذ يقول :” { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}
يقول صاحب الظلال : تلك الدار الآخرة ( {نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا } ) . . فلا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء بأنفسهم لأنفسهم ؛ ولا يهجس في قلوبهم الاعتزاز بذواتهم والاعتزاز بأشخاصهم وما يتعلق بها . إنما يتوارى شعورهم بأنفسهم ليملأها الشعور بالله ، ومنهجه في الحياة . أولئك الذين لا يقيمون لهذه الأرض وأشيائها وأعراضها وقيمها وموازينها حسابا . ولا يبغون فيها كذلك فسادا . أولئك هم الذين جعل الله لهم الدار الآخرة .
فهل استوعب الدعاة الأمر إنه نداء ليس لقارون فحسب إنه لكل نفس تعلو على مادة الطين التى خلقت منها ؟!
وليتذكر قول ابن مسعود: «لا تعلموا العلم لثلاث لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى وينفد ما سواه»
فإذا كان الشرع حرم لباس الشهرة وهو أن يلبس الجسد لباس شهرة فمن باب أولى أن يحافظ الداعية على قلبه فلا يتلبس قلبه بهذا الداء لأنه يخرجه من دائرة المحبة اسمع قول نبيك الكريم فعن سعد بن أبى وقاص يقول سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ» .” [رواه مسلم ] ……. من منا لا يبحث عن محبة الله فأنت أيها الداعية أولى بالمحبة والقرب من غيرك
كما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ينصح الصحابة أن لا يطلبوا المنصب خوفا عليهم من الشهرة
«(يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطـيـتـهــــا عن غير مسألة أُعنت عليها) » وكل إليها لأنه أعجب بقدراته واغتر بإمكانياته وكأنه استغنى بها عن الاستعانة بالله فحرم التوفيق والسداد فى الأمور وعرض نفسه للفتنة فى الدين باتباعه الهوى
فعليه أن يتقرب إلى الله بمعرفته وخشيته ومحبته ومراقبته، والإقبال عليه دون سواه عندها تصغر الدنيا فى نظر الداعية ويرى الناس كأنهم جمادات لا تضر ولا تنفع فلا ينتظر المحمدة من أحد ويعرف قدر نفسه وأنه لولا فضل الله عليه ما وصل إلى هذه المكانة
ومن العلاج أيضا لهذا الداء تزكية النفس وتربيتها على الإخلاص والتجرد لله وعدم انتظار الأجر الدنيوى وأن الفوز الحقيقى ليس بالشهرة والألقاب إنما أن تدخل الجنة “ {ذلك هو الفوز العظيم } “
ومن المعينات أيضا مراعاة الآداب الشرعية عند المدح حتى لا يكون المدح سبباً فى فتنة الداعية وتذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم “ «لا تعينوا الشيطان على أخيكم » “
وتعويد النفس على الطاعة إن كان يعمل فى مؤسسة أو عمل جماعى وأداء الواجب أيا كان نوعه والرضا بالموقع الذى يعمل فيه
واستمع لوصية النبى الكريم فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«(طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثٍ رأسه، مغبرةٍ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كـان فـي الـسـاقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشَفّع)» .
وهذا لا يعنى قتل الطموح وتفضيل العقود والكسل والتهرب من المسؤلية فيجب الموازنة بين كراهية الصدارة والشهرة وبين أن يكون صاحب مبادرة للخير وصاحب مشروع وإذا تأملنا دعاء عباد الرحمن فى سورة الفرقان إذ يقول تعالى :” {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً} [الفرقـان: 74] أي: أئمة هـدى يقتـدى بأفعالهم، أنهم طلبوا ذلك لشدة تعظيمهم لله عزوجل ومحبتهم لخدمته ليرتفع شأن هذا الدين ويُعبدوا الناس لله سبحانه وتعالى.
على الـعـبــــــد أن يفتش في نفسه عما هو أهل له، ليقوم بحق الله ـ تعالى ـ فيه
“وقال ـ سبحانه وتعالى ـ قاصاً كلام يوسف ـ علـيـــه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، وليس ذلك حرصاً منه على الولاية، وإنما هو رغبة في النفع العام، وقد عرف من نفسه الكفاية والأمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه، فقصده إصلاح أموال الناس، وهو جزء من رسالة الداعية إلى الله، الذي يكون همه الأول فعل الخير طلباً لمرضاة الله ـ تعالى ـ، وليس قصده إرواء غليله، وإرضاء شهوته في الزعامة؛ فالضابط فيها هي النية والموازنة بين المصالح والمفاسد العامة.” (مجلة البيان ” مرتكزات الفهم والعمل”)
وفى النهاية فإن هذا الأمر دقيق تلتبس فيه النية كثيرا ولا يطلع عليها إلا الله فهو وحده عليم بذات الصدور ويجب الموازنة بين وجوب قيادة الناس وبين كراهية الشهرة و حب التصدر
التكبر :
الكبر هو بطر الحق أى الامتناع عن قبول الحق إذا خالف هواه وغمط الناس أى الاستهزاء والسخرية منهم وتقليل قدرهم
الكبر هو الذى منع أبى بن سلول من التسليم للنبى وقبول قيادته إذ يقول تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} [ المنافقون: 5] ” وهو نفس الداء الذى منع اليهود من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبى العالمين بعد ما تبين لهم أنه الحق وعرفوه فى كتبهم إذ يقول تعالى :” { َفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ 87} وبه استحبت قريش العمى على الهدى إذ يقول تعالى :” {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)} وهو سبب هلاك الأمم من قبل الذين استكبروا بقوتهم وكثرة الأتباع إذ يقول تعالى :”َ {أَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } “وهو الذى حمل أهل البدع وأصحاب المذاهب الفاسدة على الابتداع فى الدين والتقول على الله فلم يسلموا لأراء أهل العلم والفقه فى زمانهم لأن آراء هم مخالفة لأهواء أهل البدع
وفى الأصل فالمستكبر متبع لهواه ينظر إلى نفسه بعين الكمال وينظر إلى غيره بعين النقص وقد يؤدى إلى الحسد بين الأقران وخاصة أهل العلم والدعاة فتجده يستكبر على سماع النصيحة من غيره لأنه يظن أنه الخطيب المفوه فكيف يزعن لغيره وهو يظن أنه أفضل من غيره ولكن لا يتلفظ به فى الناس فهذا تكون شجرة الكبر مغروسة فى قلبه ممتدة الجذور
فتجد من يتكبر بعلمه يستحقر الجاهل ومن يتكبر بماله يأنف أن يجلس بجوار فقير نسى قول الحق ” {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)} أو يتعامل مع مسكين وهو مسكتبر بحسبه ونسبه نسى قوله تعالى “ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} “
ليعلم أن الله يبغض هذه الصفة إذ يقول تعالى :” {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)}
والمتكبر يظن دائما أ نه لا يخطىء وأن أفكاره وأقواله لابد أن يؤخذ بها ولا يعتد بأراء الآخرين فتراه يفرح بل ويشمت فيمن خالفه ويأبى أن يأخذ برأى العقلاء وأهل الخبرة ممن سبقوه
علاج هذه الآفة أن يكون الداعية على حذر من هذا المرض القلبى الخفى الذى كان سبباً فى هلاك غيره وإبعادهم عن طريق الدعوة فإن كان الاغترار بالعلم والفصاحة ومدح الناس له فليعلم أن الله قادر على أن يسلبه هذه النعم وأن من حق الله عليه أن يكون شاكراً لهذه النعم
وإن كان مغتر بشخصيته ومظهره أو بحسبه و انتماء فليعلم أن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ولينظر إلى أجداده وآبائه أين هم الآن؟!
أليسوا تحت التراب وأين الأمم السابقة قوم عاد وثمود وفرعون الذين تكبروا فى البلاد وعثوا فى الأرض فسادا أين هم الآن وإذا تكبر بقوته فليتفكر ماذا لو أصابه مرض أو ميكروب بسيط يقعده فى الفراش فالشوكة تؤثر فيها والذبابة تؤذيه كم هو ضعيف فلما التكبر
وعليه أن يزكى نفسه ويطهرها بالتواضع لله وليعلم أن الله عزوجل هو الذى يعز من يشاء ويذل من يشاء فلا يغتر بتدينه ويفتخر بطاعته فقد تسلب منه يوما وهو يظن كما ظن صاحب الجنتين إذ يقول تعالى :” { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35)} ” فعليه أن يعترف بفضل الله عليه وتوفيقه الذى لولاه لما يسر له الطاعة وهذه المكانة بين الناس
اعتبر بسيرة سيد الدعاة واقتد بأخلاقه فقد كان فى خدمه أهله وكان ينطلق مع الأمة ليقضى لها حاجتها
وليقرأ سير الصالحين وتواضعهم
يقول الفضيل: التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له وإن لم تكن أنت صاحبه.
وليتذكر أن معصية إبليس التى أخرجته من رحمة الله وأوجبت عليه اللعنة إلى يوم الدين هى الكبر فاحذر أن تكون من أتباعه.
معرفة حقيقة النفس أن أصل خلقه من نطفه وآخره جيفة نتنة ويحمل بين ذلك العذرة وأن مآله إلى التراب فى النهاية فمن عرف حقيقة نفسه عرف ربه
فلا يفتخر على أحد بشىء لأن الدنيا إلى زوال ولينزع عنه رداء الكبر فإنه لله فقط وإن نازعه فيه أحد قصمه وليلبس رداء التواضع الانكسار بين يدى الله
و لينظر عاقبة المتكبرين فى الآخرة حتى يجعل بيه وبين هذا الداء وقاية
فهذا حديث أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: « احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون. وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها» . [صحيح مسلم] ترى إلى أى دار تشتاق وتتمنى
غرور الداعية :
إن شعور الداعية أو المنتمى لجماعة إسلامية بأفضليته عن غيره وأن الناس أمامها الكثير حتى تصل إلى ما وصل إليه فتراه يكثر من الثناء على نفسه ويفتخر بإنجازاته هذا كله كفيل أن يعرض الداعية للاستبدال من قبل الحق سبحانه
إنها آفة الغرور التى تقضى على العمل وتذهب بالإخلاص فالأصل فى الغرور أنه خداع بالباطل قد يرجع إلى تربية فى الأسرة منذ الصغر على الترفع على الناس أو ضعف تربية إيمانية وتعجل فى تصدره للدعوة قبل نضجه الإيمانى لنقص العاملين فى الدعوة فيخرج للناس ولم يزك نفسه بعد بمعرفة الله ومراقبته فيغتر بكثرة الأتباع والملتفين حوله فيعتقد أنه على حق دائما كما أن هناك خطأ تربوى يقع فيه بعض المربين فى الحقل الدعوي هو التركيز على المظهر كونه ملتحي أو كونها منتقبة أو ترتدى الخمار وفقط ويهمل المضمون فلا يعمل على تزكية الداعية وتطهيره من أمراض القلوب
وقد يكون المدح والثناء مفسدة للداعية وسبباً لهذا المرض فعنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيه، «عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ” وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا » ” [متفق عليه].
وقد بوّب النووي رحمه الله هذا الحديث تحت باب: كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه بلا كراهة لمن أُمن ذلك في حقه؛ وذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته. وعدم مراعاة الآداب المعتبرة عند مدح الأفراد،وترك الاعتدال في الثناء والاحترام والانقياد مفسدة
وقد يكون السبب فى بعض الأحيان الغلو والتشدد فى الدين فقد ينتهج الداعية منهجاً متشدداً ثم إذا به بعد فترة يرى من حوله ممن انتهجوا منهج الوسطية في الدين فيظن أنه تفريط منهم أو تضيع فيستضغر غيره من العاملين فى الدعوة بل وقد يحقر من شأنهم وذلك هو الغرور نسى أن النبى بعث ميسراً وليس متشددا وهو القائل “ «ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه » ” [رواه البخاري] . فهذا يعتقد أنه على الطريق وأنه سبق غيره لكن الحقيقة أنه ضل السبيل بهذا التشدد والغلو فى الدين
وهذا الصنف من المتظاهرين بالتدين فى الحقيقة يتسببون فى نفور الناس من الدين بسبب تصرفاتهم فأفعالهم تخالف أقوالهم عندها يسقط الداعية من أعين الناس كما يصبح من السهل اختراق صفوف الدعاة لانتشار أمراض القلوب التى منها الكبر والغرور فيسقط عند الشدائد ولا يقوى على المواجهه منعته أمراض القلوب
كما أنه يحرم من التوفيق الإلهى والسداد الذى لا يوهب إلا لمن جاهد نفسه وحرص على تطهير قلبه
وقد يكون السبب فى ظهور هذا الداء هو نسيان الداعية لذنوبه وأنه بشر يخطئ ويصيب وأنه طالما على قيد الحياة فهو معرض للفتن والمعاصى فليتوب إلى الله ويرجع إليه.
وعلاج ذلك:
أنه لا يدعى لنفسه ما ليس فيه ولا يعطيها أكبر مما تستحق وأن يعرف أنه ليس بأفضل من غيره وأن هناك من هو أفضل منه ويبحث عن مزايا الآخرين وكيف يستفيد من علمهم وخبرتهم فكل إنسان عنده ملكة وهبه الله إياها وأيضا إرجاع الفضل لله دائما بعد كل عمل فلن ينجو أحد بعمله فعن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” «لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ» ،” [البخاري]
كما أن التأخر عن التصدر فى تولى المناصب ولقاء الجماهير حتى يتم النضج وينال نصيبه من الخبرة والمعرفة من وسائل العلاج وليصنع المصلح نفسه فى صمت أولا وبعيدا عن الأضواء ولا يتعجل الظهور كالشجرة التى تدفن أصلها وجذورها فى التراب ولا تظهر إلا الفروع للناس
كما أن قبول النصح من الغير وعدم الاستكبار عليه بل ويطلب من المخلصين أن يبينوا له عيوبه حتى يصلحها هذا من وسائل التزكية والعلاج لهذا الداء
تعهد النفس بالتزكية وعدم الرضا عنها واتهامها بالتقصير فلا تزكوا انفسكم هو اعمل بمن اتقى ولينظر الى قول الشافعى أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَه
ومن الآفات أيضا التعصب للأفراد والجماعات و تبرير أخطائهم وإذا خرج هذا القائد من المؤسسة خرج معه من تعصب له قد يرجع ذلك إلى أن هذا المتعصب وجد فى شيخه الاهتمام والرعاية التى افتقدها فى بيئته التى نشأ فيها فهو يعانى من حرمان عاطفى فى الأصل
وهذا إن دل فإنما يدل على عدم نضج الشخص المتعصب نسى أن الناس جميعا يخطئون وأنهم بشر فإذا اصطدم فى بشريتهم يوما ما تحطمت الصورة الملائكية التى كان يرسمها لهم
يقول ابن تيمية “لا ينبغى لأحد أن يتخذ شخصا أو جماعة يوالي عليها ويعادى عليها”
وعلاج هذا أن على المربين أن يركزوا على أهمية التعلق بالحق والمبدأ وليس التعلق بالأفراد
وليعتبر من موقف أبو بكر الصديق يوم موت النبى صلى الله عليه وسلم حين خرج على الناس بكل يقين وثقة ليقول لهم من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ثم قرأ : “ {(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (10) } … فيقول عمر الخطاب وكأنى اسمعها لأول مرة
ومن الأمراض المنتشرة أيضا أن تجد الداعية شعلة من النشاط والعطاء الدعوى ثم إذ به بعد فترة من الزمن تفتر همته ولا يقبل على العمل بنفس القوة والحماس وتصبح الدعوة بالنسبة له عملا روتينيا وتجده يلتمس الأعذار للهروب من التكاليف الدعوية وعدم إتقانها إذا أداها وتصبح الدعوة مجرد وظيفة يمضى فيها حضور وانصراف والقلب منصرف عن أهميتها فلا تجده حريصاً على أن يكون من أهل السبق
قد يكون السبب فى الفتور التشدد والغلو فقد يأخذ الداعية نفسه بالعزيمة ويشدد عليها فى الدعوة والالتزام بالعبادات دون النظر إلى حاجاته الجسدية وما عليه من حقوق وواجبات فلابد أن يقوده هذا الى السأم والملل بعد فترة
تأمل معى قول رسولك الكريم ﷺ: “ «إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» ” وعن عائشة رضى الله عنها قال ﷺ: “ «علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا » ”
وإذا كان الإفراط فى الطاعات ومجاوزة الحد فى العبادة يؤدى الى الفتور فكذلك الإسراف فى المباحات والتنعم من شأنه أن يؤدى إلى سيطرة الشهوات والتكاسل عن أداء الواجبات ثم الانقطاع بعد فترة يتسأل البعض كيف يؤثر الطعام والشراب على القلب تأمل معى قول ام المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – تقول: ” أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشّبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم ” وها هو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول: ” إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، موروثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف، وإن الله ليبغض الحبر السمين، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه “ أرأيت ماذا تفعل الماكل والمشرب بالانسان إذا زاد عن الحد
فعليك بالتوازن من البداية ولا تأخذ نفسه بالشدة فتفتر همتك ولا تسرف فى المباحات فتؤثر الدنيا على الآخرة وتطمئن لها فتنصرف عن الدعوة وسائر الطاعات
وقد تكون مصاحبة ضعفاء الإرداة وذووى الهمم المتدنية الذين ينظرون تحت أقدامهم ويرضوا بالقليل من العمل والبذل فصحبة هؤلاء معدية تورث الكسل والملل وقد يظن أنه يفعل ما عليه وليس عليه شىء بعد ذلك تأمل معى قول الله عزوجل يصف فيه عمل الملائكة :” {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } ” فإن كان هذا حال الملائكة فمابلك بحالنا نحن ونحن ننتظر نظرة رحمة من الله فيغفر بها ذلاتنا وتقصيرنا مازال امامنا الكثير من البذل من أجل الفوز برضاه
إن الدعوة لا تحتاج لمن يتعامل معها على أنها هواية يفعلها وقت الفراغ ولكن تحتاج لمن يعيش بها ويعتبر نفسه صاحب رسالة فى كل مكان يكون فيه
فعليه انتقاء أصحاب الهمم العالية واستمع لنصيحة ابن القيم إذ يقول : “لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه”.
واعلم إن الله إذا اختار ك أن تكون فى خدمته وهى أرقى رسالة على وجه الأرض وأعلاها رتبة فلا تحط أنت من نفسك و تنشغل بسفاسف الأمور عن ما أقامك الله فيه
كن من أهل السبق دائما فالآيات مدحت السابقين أن لهم الدرجات العلى من الجنة وهم أهل القرب من الله السابقون السابقون ولئك المقربون
ولنا فى الصحابة الأسوة الحسنة فهذا هو الصديق يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عندما كان يتحدث عن أبواب الخير فإذا به يسأله “”فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها ، قال نعم وأرجوا أن يكون منهم …”.
وهذا ربيعة الأسلمى لم يسأل النبى مالا أو جاها فى الدنيا فانظر ماذا سأل النبى الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ «سلنى يا ربيعة أعطك » ” فقال: أسألك مرافقتك في الجنة….
يقول صاحب كتاب الهمة طريقك إلى القمة “وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً، … فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طلاب العلم والدعاة وباقي الملتزمين بشرع الله الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم … فمنهم من إذا اطلع ساعة أو ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه ، ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته في مرضاتهم ، ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة ، وحضور محاضرة أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر ، ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسيان المعاني العلية ، ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعاً لقطات إخوانه ومطلعاً على ما يزيد علمه رسوخاً في هذا المجال … ولا أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر الاعتذار والشكاية ويصبح نموذجاً يحتذى به ، ولكن أقول جازماً بأنهم – إلا القليل – لم يستثمروا هممهم حق الاستثمار ، ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء”.
ولكنك ترى ذا الهمة العالية وإن حط نفسه تأبى إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً
“فهكذا الداعية تكون له نفس تواقة إذا انتهت من شىء تاقت إلى غيره حتى يلقى الله ولم يقضى نهمه بعد بل يحب أن يرد إلى الدنيا ليبذل المزيد من أجل خدمة الحق والإسلام لما رآه من عظم الجزاء فى الآخرة فها هو معاذ على فراش الموت
يقول : اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري (لعله لكري) الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل وظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر“
وفى النهاية إن الفتور فى حياة الداعية يأتى على رصيد الطاعات والحسنات السابقة والخوف أن يموت وهو على فتور وكسل وليعلم أهمية الأمر ترى النبى صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله منه إذ يقول : ” ، «وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل،»
فعليه بالاستعانه بالله والدعاء أن يعافيه من حالة الفتور التى كانت فى السابق فيرى الله فى قلبك صدق نية للرجوع فيعينك لأن الله لا يهدى من انصرف عن طريقه إلا إذا وجد منه عزم وإرادة على العودة إليه قال ( { والَّذِينَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهدِيَّنهم سُبُلَنَا وإنَّ الله لَمَعَ المحُسِنِينَ } ) [ العنكبوت 69].ولا يتأتى ذلك إلا باحتساب كل عمل لله من الأعمال اليومية لأن العشوائية وعدم وضوح الهدف سبب فى الفتور فليكون له خطة واضحة وهدف يسعى لتحقيقه دائما لا ينتهى إلا بموته ويبحث عن عمل جديد يعيد له نشاطه فقد يقرأ كتاب جديد يحفزه أو دورة جديدة أو يسمع ندوات لمشايخ تعلى همته وليتذكر قول عمر بن الخطاب “لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته”.
وعليه بالتوسط والاعتدال فى الأمور كلها والتحرر من الغلو والتشدد الذى قد يوقفه عن العمل لله يوما وليتوكل على الله فهو نعم المولى ونعم النصير
ومن الأمراض الدعوية التى قد تصيب بعض الدعاة هى الغيرة من أقرانه ممن يعملون فى حقل الدعوة ويظهر ذلك فى تشوية صورة الدعاة المخلصين لله أمام الناس بالوقوف على بعض أخطائهم ومحاولة نشرها
ومنها أيضا معاداة كل من يخالف مذهبه وكأنهم من ملة اخرى وليسوا مسلمين
فمما يسلم صدره ويذهب غيرته هو الدعاء أن يجعل قلبه طاهرًا نقيًّا من الغيرة والغل قال تعالى: {(وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )} [الحشر
وليحرص الداعية على تزكية نفسه دائما وتطهيرها أول بأول كما أن تقوية روابط الأخوة الإيمانية بينه وبين أقرانه حتى تكون علاقة فى الله يحبهم لله ويبغضهم لله وليس لمصلحة شخصية أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» )) فالمحبة فى الله دليل إيمان
وقال ابن القيم: “أي: لا يحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفى الغل والغش، وهو فساد القلب وسخايمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش ” حقا وليعمل كل صاحب رسالة على قلبه ويطهره ليستحق ان يكون من أصحاب الجنة الذين تفضل عليهم ربهم وطهر قلوبهم من الغل، فلا يبغض بعضهم بعضاً، ولا يكره بعضهم بعضا، قال تعالى: {(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)} [الأعراف: 43].
Source link