أفرزت العصرنة بثورتها التقنية والرقمية الراهنة، متمثلة بشكل خاص، بالأجهزة الذكية، والشبكة العنكبوتية، ووسائط الميديا، والفضائيات، تداعيات سلبية، في حياتنا المعاصرة
أفرزت العصرنة بثورتها التقنية والرقمية الراهنة، متمثلة بشكل خاص، بالأجهزة الذكية، والشبكة العنكبوتية، ووسائط الميديا، والفضائيات، تداعيات سلبية، في حياتنا المعاصرة، تجسَّدت بالانفتاح المفرط على التقنيات المتطورة، والأجهزة الذكية، والانغماس الكامل في الفضاء الرقمي، ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبح أقصى طموح للشباب اليوم، هو امتلاك جهاز هاتف ذكي فاخر، وسيارة فارهة للمباهاة، وأصدقاء وهميين في واقع افتراضي لا حقيقة لوجوده إلا على الشاشة الزرقاء.
وقد تسبب الانغماس في الفضاء الرقمي بعزلة اجتماعية عمودية على مستوى الأسرة والأقارب، وأفقية على مستوى الجيران والمجتمع، ونشأ تبعًا لذلك نوع من الانفصام الأسرى والاجتماعي، فالآباء بانشغالهم بالتفاعل مع هذه الأجهزة، قد انفصلوا عمليًّا عن الأسرة، ولم يعودوا يتحدثون مع الأبناء، في حين نشأ في نفس الوقت جيل لا يأبه للحديث مع الأهل، فانعدم التواصل الحي، وغابت السيطرة الأخلاقية، واضمحلَّت الإرشادات التربوية.
وهكذا طالت تحديات العصرنة بآثارها السلبية صميم حياتنا اليومية الراهنة، بتسفيه العادات والتقاليد الحميدة، وذلك من خلال هيمنة تيَّارها الجارف بأدواته المعاصرة؛ ليؤسس لثقافة جديدة، وعادات جديدة غير مألوفة، باتت محل تداول عام؛ حيث سيكون لها بالطبع أثرٌ كبير في تغيير سلوك الجيل الذي بدأنا نلمس جنوحه صوب الانسلاخ التدريجي من سيطرة البيت، والتفلُّت من ضوابط المجتمع بشكل واضح، والانزياح في نفس الوقت خارج حدود فضاءات سيطرة الأب والأم بمسارات غريبة عن المألوف من الموروث الاجتماعي؛ حيث تفاقمت فجوة الجيل مع غزو العصرنة بشكل مقلق، الأمر الذي يهدد بتفكك قيمي واجتماعي، يقود إلى الضياع والاستلاب مستقبلًا.
لذلك بات الأمر يتطلب الانتباه الجدي إلى خطورة الحال، والإفاقة من الغيبوبة التي طالت عواقبها كلَّ جوانب حياتنا؛ من عزلة اجتماعية، وتقليد أعمى للغير، وابتعاد عن موروثنا الديني والقِيمي، دون إغفال حقيقة أن الثورة الرقمية قد أصبحت اليوم سمةَ عصرٍ، وثقافة واقع حال راهن، وبالتالي فإنه لا مناص من التعايش معها، من دون الانغماس الكلي فيها، ولا تركها، والانسحاب منها نهائيًّا.
فلا بد من العمل على وضع معايير منضبطة للعيش في الحال الراهن؛ حتى يمكننا التعايش مع معطياته، والتكيف مع إنجازاته المتوالية، بأقل ضرر يلحق بأصالة هوية وجودنا الاجتماعي، وموروثنا الثقافي، فإن ذلك ينبغي أن يتمَّ في إطار الحرص الواعي على الحفاظ على أصالة مكونات الموروث الحضاري لمجتمعنا وأمتنا، والانتباه إلى خطورة الانشغال بأمور فارغة في حياتنا اليومية الراهنة، والعمل على تجسير الانفصام بين الأجيال، وإدامة التواصل الحقيقي المستمر بينهم، وتعميق جذور الانتماء مع العائلة والمجتمع، والتكيف في نفس الوقت، مع المعطيات الإيجابية للعصرنة، والتفاعل المبدع معها، وإسقاط كل ما هو سلبي من تداعياتها دون تردُّد.
_____________________________________________
الكاتب: نايف عبوش
Source link