سورة الأنفال -أو سورة الجهاد- نزلت بعد غزوة بدر مباشرة؛ لبيان كيفية قسم الغنائم فيها، والأنفال جمع نفل وهو الفضل والزيادة والعطية، والمراد به هنا ما تفضل الله به على هذه الأمة وما نفلها من إباحة الغنائم لها…
{يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ لِلَّهِ وَالرَّسولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحوا ذاتَ بَينِكُم وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ أُولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ ﴾} [الأنفال: ١-٤].
◈ سورة الأنفال -أو سورة الجهاد– نزلت بعد غزوة بدر مباشرة؛ لبيان كيفية قسم الغنائم فيها، والأنفال جمع نفل وهو الفضل والزيادة والعطية، والمراد به هنا ما تفضل الله به على هذه الأمة وما نفلها من إباحة الغنائم لها، التي حرمت على الأمم والأنبياء من قبلها، كما تواتر عن النبي ﷺ قوله: «أعطيت خمسا..» أو «فضلت على الأنبياء بخمس .. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي».
◈ وكان المسلمون يقرأون هذه السورة حين لقاء العدو، وقبل الزحف، فتنزل عليهم السكينة، كما قال الكلاعي في “الاكتفاء في المغازي”: (ومن السنة التي سن رسول الله ﷺ بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء، وهي سورة الأنفال).
وذكر في معركة القادسية: (ولما صلى سعد -ابن أبي وقاص- رضي الله عنه الظهر أمر غلاما وكان من القراء يقرأ سورة الجهاد، وكان المسلمون كلهم إذ ذاك يتعلمونها، فقرأها على الكتيبة التي تليه، وقرئت في كل كتيبة، فهشت قلوب الناس، وعرفوا السكينة مع قراءتها، قال مصعب بن سعد: وكانت قراءتها سنة يقرأها رسول الله ﷺ عند الزحف ويستقرئها، فعمل الناس بذلك).
◈ وقد جاءت سورة الأنفال وهي مدنية في ترتيب المصحف بعد سورة الأعراف وهي مكية، والمناسبة بينهما ظاهرة، ففي الأعراف قص الله قصص الأنبياء وما تحقق لهم من النصر الذي وعدهم الله إياه، ثم ما بشر به موسى قومه المؤمنين من الوعد الحق بالاستخلاف في الأرض وقوله لهم: {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده … عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض}، ثم ذكرت الأعراف تحقق الوعد لهم {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها}، ثم جاءت بعده البشارة ببعثة الرسول النبي الأمي وما وعد الله المؤمنين به من الفلاح والنصر {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي .. فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}، وكانت سورة الأنفال هي سورة النصر الأول يوم بدر والذي تحقق به الوعد الحق للنبي ﷺ والمؤمنين معه على مشركي مكة في أول معركة بين الطرفين، وأول ظهور للمؤمنين المستضعفين المهاجرين على عدوهم، وبداية الاستخلاف لهم في الأرض، كما استخلف المؤمنين من قوم موسى.
◈ وافتتاح السورة بهذه الآية {يسألونك عن الأنفال} إشارة إلى عظيم ما امتن الله عليهم من النصر يوم بدر أولا، وما امتن به عليهم من الغنيمة ثانيا، فالأنفال الزيادة بالعطاء، وسؤالهم عنها دليل على اكتمال نعمة النصر على العدو، حتى لم يعد يشغل بالهم إلا تقاسم غنائم عدوهم، وفي ذلك إظهار لفرح المؤمنين، وخزي المشركين، وقد انهزموا يوم بدر، وأخذت أموالهم، يتقاسمها المؤمنون بينهم.
◈ وفي هذا الافتتاح أيضا مراعاة للطبيعة البشرية للمؤمنين، وأن إيمانهم وجهادهم وتضحياتهم في سبيل الله لا تنافي طبيعتهم الإنسانية، التي ترجو الظفر بالغنيمة، كما كانت ترجو من الله النصر، وهذه من الوسطية التي هديت لها هذه الأمة، في الجمع بين الحسنيين، حسنة الدنيا، وحسنة الآخرة، ومراعاة حاجات الروح بالإيمان والتقوى، وحاجات النفس بالمال والظفر والاستخلاف، وأن سؤالهم عن الأنفال لمعرفة حكمها وحظهم منها، وسؤالهم الأنفال نفسها، ليعطيهم النبي ﷺ إياها، كما جاء في قراءة ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص {يسألونك الأنفال}، لا ينقص من أجورهم عند الله شيئا، ولا ينافي إيمانهم وتقواهم وما أعد الله لهم في الآخرة.
◈ وقد جاءت الإجابة عن سؤالهم {قل الأنفال لله} وحده يحكم فيها بحكمه، فهو الذي يشرع، ويعطي ويمنع، فكما أن الملك له، النصر منه وحده، والفضل فضله، كذلك الحكم حكمه، {والرسول} وللرسول يقسم بينكم بحكم الله، كما قال ﷺ: «إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت، والله المعطي»، وفي هذا الحصر حكما وقسما، قطع لكل أسباب الخلاف، ومنع لوقوع النزاع، في شأن الغنائم خاصة، والأموال عامة، فالنبي ﷺ هو ولي المؤمنين كافة، لا ينازع في قسمه، ولا يعترض عليه في حكمه، وفي ذلك جمع للكلمة، وتأليف للقلوب، حين يعلم كل مؤمن أن المالك للمال كله، والحاكم فيه، والقاسم له، هو الله الملك الحق العدل، ينفذه رسوله الصادق الأمين.
Source link