حملات الهجوم في الإعلام الغربي ضد أردوغان تعكس حالة الهلع في أوربا وأمريكا والخوف من إعادة انتخاب الرئيس التركي
هيستريا الصحافة الغربية :
حملات الهجوم في الإعلام الغربي ضد أردوغان تعكس حالة الهلع في أوربا وأمريكا والخوف من إعادة انتخاب الرئيس التركي؛ فمئات المقالات والتقارير والصور على أغلفة الصحف والمجلات الكبرى تهاجم الرجل بكل ضراوة، وتحذر الأتراك من انتخابه وكأنه هو الخطر على البشرية، وفي نفس الوقت تدعو لانتخاب زعيم المعارضة كيلشيدار أوغلو الموالي للغرب.
خصصت مجلة “إيكونوميست” البريطانية قصة غلافها هذا الأسبوع عن الانتخابات التركية، ووصفت الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه “ديكتاتور مستبد” وطالبت برحيله، ودعت الشعب التركي لـما وصفته بـ “حماية الديمقراطية” ولم تقل كيف يكون ديكتاتورا بأصوات الجماهير في انتخابات نزيهة طوال 20 عاما؟!
في نفس الأسبوع نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية على غلافها صورة لأردوغان تؤكد حالة الهستيريا والقلق من تجديد الثقة به، حيث بدا في الصورة المسيئة الرئيس التركي وهو جالس متجهما على عرش متصدع، ويظهر الهلال في أعلى الكرسي محطما، وتنتشر الشروخ في الخلفية الحمراء التي ترمز للدولة التركية، وكأن المجلة تقول للأتراك أن انتخاب أردوغان يعني الخراب، وهذا تهديد وتدخل في الشأن التركي الداخلي يتجاوز كل الأعراف الدولية.
عدم احترام الديمقراطية
رغم ما يبدو من تصريحات حول تشجيع الديمقراطية في العالم، وحق الشعوب في اختيار حكامها، فإن معظم الساسة الغربيين لا يحترمون الديمقراطية، خاصة في البلدان الإسلامية إن جاءت بزعماء متحررين يعملون من أجل نهضة شعوبهم ويسعون للاستقلال عن الهيمنة الغربية، فالديمقراطية جيدة بالنسبة للأوربيين والأمريكيين ولكن ليست جيدة لغيرهم، وهذا يكشف عنصرية العقل الغربي.
المجاهرة بالرفض الغربي المسبق لنتائج صناديق الانتخابات، وإظهار العداء لأردوغان حتى لو كان مؤيدا من الشعب التركي، يفضح المعايير المتناقضة التي تتعامل بها دوائر السياسة والمال والإعلام في الغرب مع قيم الديمقراطية، فهذه الوصاية التي نراها بوضوح تؤكد عدم احترام الإرادة الشعبية، والاستهانة بالجماهير التي تعتز بتاريخها وقيمها وتحلم بمشروع يعبر عن هويتها.
هل تقبل دوائر الحكم في العواصم الغربية أن تتدخل دول إسلامية أو روسيا والصين في الانتخابات عندهم كما يفعلون الآن مع تركيا؟ وهل يقبل الغربيون التحريض السياسي والإعلامي الخارجي ضد مرشحين بعينهم لصالح مرشحين آخرين؟ وهل يقبلون أن يصف إعلام دول أخرى شعوبهم بالجهل وعدم الوعي لأن أغلبيتهم ينتخبون مرشحين لهم مواقف مختلفة؟!
التدخل الغربي الذي نراه في الانتخابات التركية، ورعاية زعماء غربيين للمعارضة وتوحيدها خلف مرشح واحد ثم حملات التحريض والتخويف لن يحقق ما يريدونه، ومصير كل هذا المكر لن يختلف عن مصير الانقلاب العسكري الذي فشل، فأردوغان الذي فشلوا في إزاحته بالقوة العسكرية في عام 2016 لأن الشعب -بعد التوكل على الله– وقف معه، هو أردوغان الذي يحيط به الأتراك الآن في مؤتمرات انتخابية يحضرها الملايين في مشهد مبهر وغير مسبوق، وهي أبلغ رد على الخصوم الذين يفقدون أعصابهم.
لماذا القلق من أردوغان؟
عدم قدرة الدوائر الغربية على كتم عداوتها، والمجاهرة بكل هذا الكم من الكراهية يعكس حالة القوة التي وصلت لها تركيا على يد أردوغان، فالانزعاج من استمراره شعور حقيقي، فبعد قرن من الاحتلال والسيطرة الغربية ها هي تركيا تتخلص من القيود وتتحرر وتستعيد مكانتها الدولية كقوة كبرى، تذكر الغربيين بالماضي التركي.
رغم أن أردوغان لا يتحدث عن سلطنة أو خلافة أو دولة إسلامية فإن الغربيين يدركون أن قوة تركيا تعني عودة العالم الإسلامي إلى الساحة الدولية مرة أخرى، وضياع جهود قرون للقضاء على قوة المسلمين، وليس بيد الغرب قوة قادرة على التصدي لقوة الشعوب، فالصندوق الانتخابي يأتي بحكام أقوياء يستطيعون الوقوف أمام الضغوط وخطط التطويع التي يجيدها الغربيون منذ الحقبة الاستعمارية.
لقد نجح أردوغان في جعل تركيا دولة قوية تفرض كلمتها في صراعات معقدة، واستطاع بحنكته تحويل التحديات إلى فرص، وحقق المكاسب في كل الصراعات رغم أن كل المحيطين به يحاربونه ويقفون ضده، ففي الحرب الروسية الأوكرانية هو الوحيد الذي استطاع التوسط بين الطرفين رغم أن تركيا عضو في حلف الناتو، وهو الذي رعى اتفاق نقل الحبوب من أوكرانيا لتخفيف آثار الحرب.
أردوغان شخص مؤيد -أو محظوظ بتوصيف البعض- ففي كل محنة يخرج منتصرا، وفي كل فخ منصوب له يحقق نصرا، ومنذ وصوله للحكم حدد هدفه وهو استعادة مكانة تركيا كقوة عالمية، وهو وبكل ثقة يصف القرن الجديد بأنه “القرن التركي” وقد نجح في تحقيق معظم أهدافه، أهمها تطوير صناعة السلاح التي بها يوقف تغول الآخرين والتي ستقلب الموازين في السنوات العشر القادمة، كما أنه حطم الكتلة العميلة للغرب في دوائر الحكم وفي الجيش التركي وحرر الأتراك من الخوف والتبعية.
أردوغان يشبه أرطغرل صاحب الشخصية الأسطورية في المسلسل الشهير الذي تابعه الملايين حول العالم، صاحب عقل ذكي وقلب صلب وحكمة وبصيرة ربانية، يتقدم لنيل الاستقلال الكامل والتخلص من الهيمنة الغربية بكل قوة ولا يتردد، يواجه المكر المعادي بمكر أشد وأكثر حيلة، لا يبالي بمن يتخلف من المحسوبين عليه من ذوى الأفق الضيق، ولا يضره من خذله، فهو يعرف طريقه جيدا.
من يريد معرفة النقاط المضيئة ومراكز القوة في عالمنا الإسلامي فليبحث عن الأهداف التي يوجه لها الساسة الغربيون السهام، فهم أدرى الناس بمن يشكل خطرا عليهم، وهم يعلمون قدر ومكانة أردوغان أكثر من العرب والمسلمين، ولهذا نسمع كل هذا الصياح والزعيق والخوف من تثبيت أقدامه أكثر فأكثر، لأنهم يعلمون أن تركيا القوية ستكون بداية لعالم إسلامي جديد غير الذي يرونه الآن.
المصدر : الجزيرة مباشر
Source link