كلنا متحيزون بدرجة ما – أحمد قوشتي عبد الرحيم

أن تكون منتميا للإسلام والسنة ، ومحبا للمسلمين أجمعين ، ومبغضا لأعداء هذا الدين ، مستقلا ، آخذا بالحق أيا كان مصدره ، ودائرا معه حيث دار ، غير متعصب لاسم ، أو طائفة ، أو جماعة ، أو حزب ، أو شخص

كلنا متحيزون بدرجة ما ، ولا نخلو من مقدار ولو ضئيل من التعصب الظاهر أو الخفي – مهما أنكرنا ذلك باللسان – وأما الموضوعية الكاملة ، والإنصاف والتجرد التام في تناول القضايا الشرعية والفكرية والسياسية والتعليق على الأحداث والماجريات فهي أمور شبه نادرة ، ولا تتأتى إلا لمن تخلى عن حظوظ النفس جميعها ، واستعلى على المخاوف والمطامع والمغانم والمصالح ، وكثير منا يرى القذاة في عين أخيه وينسى الجذع معترضا في عينه ، ويضخم أخطاء خصومه ويشتد نكيره عليها وعلى أصحابها ، بينما يسكت عن أخطاء من يحبهم وربما برر لهم العظائم أو تعسف في الاعتذار عنها.
وهناك عوامل كثيرة تحكم مواقفنا من الأحداث والآراء ، منها الظاهر الجلي ، ومنها الخفي المتسرب إلى أعماق النفس ، وربما لا يدركه الإنسان .
فللنشأة الأولى والتربية دور ، ولطبائع الشخصية وميولها دور ، وللصداقات والعلاقات دور ، وللمواقف المسبقة دور ، وللانتماءات المذهبية أو الفكرية أو السياسية دور ، وللبحث عن المصالح والمغانم دور ، وللخوف من دفع ضريبة قول الحق وما يمكن أن يحدثه ذلك من ضرر على النفس أو الوظيفة أو المصالح أو العلاقات دور ، ولهوى النفوس الظاهر والخفي دور ، بل قد يتبنى المرء رأيا من الآراء ، ليس لقناعة حقيقية به ، وإنما كرها في مخالفيه ، وليس حبا في زيد وإنما بغضا لعمرو ، ولو تغيرت الأدوار لكان أشد المؤيدين لما انتقده من قبل .
وليس معنى ذلك بحال نسبية الحقيقة وسيولتها ، أو صحة كل رأى وموقف ، أو التسوية بين أهل الحق وأهل الضلال ، أو ترك الإنكار على الباطل وأهله والبدع ومروجيها ، أو عدم وجود معيار للحكم على الأمور ، كلا فكل ذلك خطأ لا يجادل فيه منصف، وإنما الذي أقصده : أنه بقدر استقلالك عن التقولب والتحزب الأعمى لجماعة أو حزب أو شيخ أو طائفة ، والذوبان الكامل في شيئ من ذلك ، بقدر ما تتسع نظرتك ، وتعتدل أحكامك ، وتكون أقرب للعدل والإنصاف .
وإذا كان لي من نصيحة أذكر بها نفسي وإياك فهي :
– أن تكون منتميا للإسلام والسنة ، ومحبا للمسلمين أجمعين ، ومبغضا لأعداء هذا الدين ، مستقلا ، آخذا بالحق أيا كان مصدره ، ودائرا معه حيث دار ، غير متعصب لاسم ، أو طائفة ، أو جماعة ، أو حزب ، أو شخص ، وتلك نعمة عظيمة تستحق الشكر ، والعض عليها بالنواجذ ، وسؤال الله الثبات عليها ، ومن نفيس ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له ” أنتَ على ملة علي، أم عثمان؟ فقال: لا على ملة علي، ولا عثمان، أنا على ملّة رسول الله صلى الله عليه وسلم “


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث

منذ حوالي ساعة وفيما يستفّ الجوع أجساد الغزاويين، يقرع صوت غزة أسماع عالم عربي طويل، ثم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *