هل العلم المأخوذ من غير أهل البيت علم صحيح أو باطل؟‼

فأهل السنة أحق بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الشيعة، وعلماء أهل الحديث أعلم من الشيعة باﻷحاديث النبوية التي رواها علي رضي الله عنه، وأعلم بأقوال علي وفقهه وأخباره.

كتب الدكتور : محمد بن علي بن جميل المطري

يعتقد كثير من الشيعة أن العلم الشرعي لا يجوز أخذه إلا من أهل البيت رضوان الله عليهم، وأن العلم المأخوذ من غير طريقهم علم باطل، وهذا القول فاسد مخالف للقرآن والسنة والعقل الصحيح.

وهذه عشر نقاط مختصرة لبيان بطلانه:

  1. قال الله سبحانه: {{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ}} [آل عمران: 164]، فمِنَّة الله ببِعثة الرسول هي لجميع الأمة وليست خاصة بأهل بيته، واﻵية واضحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم جميع المؤمنين من أصحابه القرآن والسنة، ولم يكن يعلم أهل بيته فقط.
  2. من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: أزواج النبي أمهات المؤمنين، وقد خصهن الله بأمرهن أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من القرآن والسنة، ويعلمنه غيرهن فقال سبحانه في سورة اﻷحزاب في سياق اﻵيات الخاصة بأمهات المؤمنين: {{وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} } [الأحزاب: 33، 34]، ومعلوم أن أهل بيت كل إنسان يدخل فيه زوجاته، فزوجات النبي من أهل بيته، ومن أهل بيت النبي أيضا: العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وابنه عبد الله حبر اﻷمة، وغيرهم من المؤمنين من بني هاشم، ولا خلاف بين أهل العلم أن أفضل أهل البيت: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
  3. يعتقد الشيعة أن آل البيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هم فقط علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومعلوم أن الحسنين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صغيرين جدا لم يأخذا عنه من العلم إلا قليلا جدا، وفاطمة الزهراء ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر فلم يؤخذ عنها من العلم إلا القليل، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أكثر الخلفاء الراشدين اﻷربعة رواية للحديث، ولكنه كغيره من الصحابة لم يحفظ جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويوجد من الصحابة من هو أكثر منه رواية، فعلي رضي الله عنه لم يكن ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم طيلة حياته سفرا وحضرا، ففي الهجرة النبوية جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ليبيت على فراشه وأمره أن يرد اﻷمانات التي عنده، ولم يكن معه أثناء الهجرة، فهل كل ما سمعه أبو بكر الصديق من النبي أثناء الهجرة أو سمعه الصحابة من النبي حين وصوله المدينة لا نأخذ به ﻷنه لم يسمعه علي؟!

وفي غزوة تبوك استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على المدينة، وبقي النبي مسافرا في تلك الغزوة مدة طويلة سمع فيها الصحابة من النبي كثيرا من اﻷحاديث النبوية، فهل نترك تلك اﻷحاديث التي سمعها الصحابة من النبي ﻷنه لم يسمعها علي؟! وهل كان الواجب على النبي أن لا يكلم الصحابة بشيء من العلم لعدم حضور علي؟!

وفي آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن داعيا إلى الله وقاضيا، وبقي علي في اليمن مدة طويلة حتى أدرك النبي في مكة في حجة الوداع، وكان النبي في تلك المدة يُعلِّم أصحابه الكتاب والحكمة ويخطب لهم الجمعة، وكان يسمع الصحابة منه كثيرا من اﻷحاديث ويرون هديه وأفعاله، فهل كان كل ذلك العلم الكثير النافع لا يجوز لأحد من الصحابة روايته ﻷن عليا كان غائبا في اليمن؟!

  1. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ﻷصحابه: «(بلغوا عني ولو آية)» ، وأرسل كثيرا من أصحابه ممن ليسوا من أهل بيته دعاة وغزاة ومعلمين إلى قبائل العرب، وأرسل بعضهم إلى الملوك لدعوتهم إلى اﻹسلام، ولم يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته بأمرهم بالتبليغ دون أصحابه كما لم يخصهم بالتعليم دون غيرهم.
  2. سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو خليفة لا يخشى أحد من الناس: هل خصك النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم دون الناس؟ فقال علي بن أبي طالب بكل وضوح: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة كما في صحيح البخاري (3047).

فهذا علي رضي الله عنه يحلف بالله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخصه بشيء من العلم دون الناس، فعجبا لمن يظن من الشيعة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خص عليا بالعلم النافع كله، وكأن الله لم يرسل النبي محمدا إلا لعلي، ولم يجعله رحمة إلا ﻷهل بيته، والله يقول: {{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}} [الفرقان:1]، ويقول: {{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}} [الأنبياء:107].

  1. علماء أهل البيت كانوا وقت طلبهم للعلم كغيرهم من طلاب العلم يأخذون العلم النافع من كل من حمله من أهل العلم، سواء كان العالم من أهل البيت أو من غيرهم، وسواء كان قرشيا أو غير قرشي، وسواء كان عربيا أو عجميا، فمثلا الحسن والحسين وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وأخوه زيد بن علي وجعفر بن محمد الصادق وغيرهم من علماء أهل البيت تعلموا القرآن والسنة والفقه والسيرة النبوية من العلماء الذين أدركوهم، ولم يعرضوا عن سماع العلم من أي عالم لكونه من غير أهل البيت، والناظر في كتب الحديث يجد كثيرا من روايات أهل البيت عن غير أهل البيت، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
  2. من قال من الجهلة: لا نأخذ العلم إلا من طريق أهل البيت، وكل علمٍ ليس من طريقهم فهو علم باطل، نقول له: هذا القرآن الكريم يُقرأ بالقراءات العشر المتواترة، وليس أحد من القراء العشرة المشهورين من أهل البيت، فالقراء العشرة المشهورون هم: نافع بن أبي نُعيم وعبد الله بن كثير وعاصم بن أبي النَّجود وحمزة الزيات وعلي الكسائي وعبد الله بن عامر ويعقوب بن إسحاق وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وخلَف بن هشام، فهل جميع هذه القراءات العشر باطلة ﻷن القراء العشرة ليسوا من أهل البيت؟!

وهذه السيرة النبوية أقدم من ألَّف فيها موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق ثم ابن هشام الحميري، وكلهم ليسوا من أهل البيت، فهل السيرة النبوية بما تضمنت من معجزات وغزوات وأحداث كلها باطلة ﻷن الذين جمعوها ليسوا من أهل البيت؟!

والمؤرخون القدامى والنسَّابون الذين كتبوا التاريخ وحفظوا أنساب قبائل العرب وكتبوا تراجم النبلاء وأنسابهم وذكروا سِيَر الخلفاء والملوك وأخبار الفتوحات وتاريخ الوفيات؛ ليسوا من أهل البيت، فهل نترك تعلم علم التاريخ وعلم اﻷنساب ونرضى بالجهل بماضينا وأنساب قبائلنا وننكر أسماء الصحابة وأنسابهم وترتيب الملوك وأخبارهم لكون العلماء الذين ألفوا كُتب التاريخ وأرَّخَوا الوفيات وحفظوا اﻷنساب ليسوا من أهل البيت؟!

وعلماء اللغة والنحو الذين ألفوا الكتب في علم النحو وجمعوا أشعار العرب وبينوا معانيها ووضعوا معاجم اللغة العربية – كالخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه والفراء ومعمر بن المثنى وابن قتيبة والمبرد وابن دريد واﻷزهري الهروي – كلهم ليسوا من أهل البيت، فهل هذه العلوم باطلة لكون المؤلفين فيها ليسوا من أهل البيت؟!

  1. الرواة الثقات الذين رووا العلم عن علي بن أبي طالب أكثرهم ليسوا من أهل البيت، فأشهر تلاميذ علي الذين قرءوا عليه القرآن ورووا عنه اﻷحاديث ونقلوا فتاواه وأقواله ليسوا من ذريته، فهل أصابوا أو أخطأوا عندما نقلوا لمن بعدهم ما سمعوا من علي؟ وهل كان الواجب عليهم أن لا ينقلوا شيئا من علم علي ﻷنهم ليسوا من أهل بيته؟! وهل كان الواجب على علي أن لا يُعلِّم العلم النافع إلا أهل بيته دون بقية أصحابه؟! فإن أصاب أصحاب علي في نقل علم علي فهل أصاب الصحابة في نقل علم النبي صلى الله عليه وسلم؟! لا شك أنهم جميعا أصابوا، والواجب على كل من سمع علما أن يبلغ غيره ما سمع، ولا يحتكر العلم على سلالة.
  2. أهل البيت بارك الله في ذريتهم فانتشروا في جميع أقطار اﻷرض، ومنهم الصالح والطالح، ومنهم من طلب العلم وعلَّمه، ومنهم من لم يطلب العلم، والذين تعلَّموا الفقه منهم ليسوا كلهم على مذهب فقهي واحد، بل منهم زيدية هادوية، ومنهم أحناف، ومنهم شافعية، ومنهم مالكية، ومنهم حنابلة، بل منهم من صار في العقيدة معتزليا أو على مذهب الإمامية الرافضة، ومن ظن أن جميع أهل البيت على مذهب واحد في الفقه أو في العقيدة فهو جاهل بالتاريخ والواقع، فمثلا في اليمن يوجد في تهامة وفي حضرموت كثير من أهل البيت شافعية منهم أهل سنة وصوفية وليسوا زيدية، وقد قرر هذا السيد العلامة محمد بن إسماعيل ابن اﻷمير الصنعاني – وهو من أهل البيت –  في أول رسالته المشهورة: (المسائل الثمان)، فقد ذكر في رسالته هذه الحقيقة، بل وذكر في رسالته أسماء بعض علماء أهل البيت من الزيدية الذين يقولون بضم اليدين في الصلاة ورفع اليدين فيها والتأمين واﻷذان من غير قول: حي على خير العمل، وغير ذلك من المسائل الفقهية التي يظن عوام الشيعة أن مذهب أهل البيت فيها قول واحد بلا اختلاف بينهم، ولا يعلمون أن بعض علماء أهل البيت القدامى يوافقون غيرهم من علماء أهل السنة في تلك المسائل الفقهية، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
  3. يجهل عوام الشيعة أن أهل الحديث كانوا يروون اﻷحاديث النبوية عن كل صحابي وعن كل تابعي وعن كل أتباع التابعين وتابعيهم، سواء كانوا من أهل البيت أو غيرهم، وسواء كانوا عربا أو عجما، وقد روى أهل الحديث رحمهم الله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكثر مما يروي الشيعة عن علي في كتبهم، ففي كتب أهل الحديث 17482 حديثا وأثرا بأسانيدها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن أراد التأكد من هذه الحقيقة الصادمة فليرجع إلى كتاب مسند اﻹمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جمعه من كتب أهل الحديث المسندة يوسف أوزبك وحققه المحدث علي رضا، وهو كتاب مطبوع في 7 مجلدات كبيرة، طبعته دار المأمون للتراث، وكل تلك الروايات عن اﻹمام علي البالغة أكثر من سبعة عشر ألفا مروية باﻷسانيد، ومنها الصحيح والضعيف والموضوع، وهذا عدد كبير جدا لا تجد في كتب الشيعة اﻹمامية والزيدية معشاره، مع كون أكثر الروايات المنقولة عن علي في كتب الشيعة بلا إسناد أو بأسانيد منقطعة أو موضوعة.

فأهل السنة أحق بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الشيعة، وعلماء أهل الحديث أعلم من الشيعة باﻷحاديث النبوية التي رواها علي رضي الله عنه، وأعلم بأقوال علي وفقهه وأخباره.

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

السر السياسي وراء مواقف الحكومات العربية تجاه إبادة غزة – عبد المنعم منيب

متى تتحرك حكومات الدول العربية وحتى أوروبا و روسيا و الصين و إيران تحركاً حازماً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *