حكم من يقول بجواز ختم الدعاء بالشفاعة والتوسل لسببين: الأول: أن التوسل بالقرآن الكريم هو توسل بصفات الله، والتوسل بصفات الله عز وجل مشروع باتفاق العلماء. الثاني: أن التوسل بتلاوة الفاتحة توسل عمل صالح، وهو أيضاً مشروع باتفاق العلماء، سورة الفاتحة خاصة له وجه مقبول شرعيا؛ وذلك بوضوح أم الكتاب، والمجتمع فيها جميع معاني القرآن العظيم. فيكيف نرد عليه أم انه من المسائل المختلف بها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أما بعد
فمما لا شك فيه أن التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة ومنها التوسل بتوحيد الله والأعمال الصالحة؛ كدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة.
والتوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى؛ كما قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}[لأعراف: 180]، ولقد سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلا يقول في تشهده: “اللهم إني أسألك يا اللّه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا= أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له”؛ رواه النسائي وغيره عن محجن بن أذرع الأسلمي، وكان من ادعيته صلى اللّه عليه وسلم “يا حي يا قيوم برحمتك استغيث”؛ رواه الحاكم (1/ 509) وحسنه الألباني في التوسل (ص 30).
وهذا من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، وقوله سبحانه {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء: 57]، وابتغاء الوسيلة إليه – سبحانه – هو: طلب من يتوصل ويتقرب به إليه سبحانه، سواء كان على وجه العبادة والطاعة وامتثال الأمر، أو كان على وجه السؤال له، والاستعاذة به، رغبة إليه في جلب المنافع ودفع المضار.
إذا عرف هذا؛ فلا يدخل في طلب الوسيلة ختم الدعاء بقراءة سورة الفاتحة أو غيرها من سور القرآن العظيم، إلا لو توسل إلى الله تعالى بقراءة الفاتحة لكونها من الأعمال الصالحة، وبينهم فارقّ، فتأمله!
يؤيد هذا؛ العبادات توْقِيفِيَّة، أعني أنه لابد فيها من إِذْن الشَّارع؛ ولهذا يقول العلماء: وَالأَصْلُ فِي الأَشْيَاءِ حِلٌّ وَامْنَعِ * عِبَادَةً إِلاَّ بِإِذْنِ الشَّارِعِ
وكلُّ عبادة لم يفعلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع وجود المقتضي لها، وعدم المانع منها، فهي بِدْعَة.
فـ” البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب. فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعُلم الأمر به بالأدلة الشرعية، فهو من الدين الذي شرعه الله وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك. وسواء كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو لم يكن. فما فعل بعده بأمره – من قتال المرتدين والخوارج المارقين وفارس والروم والترك، وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وغير ذلك= هو من سنته”. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية “مجموع الفتاوى“ .(4/ -108107)
وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أَحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رَدٌّ))؛ متفق علية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقال – صلى الله عليه وسلم :- ((وإيَّاكم ومُحْدَثَات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة))؛ رواه مسلمٌ، عن جابر – رضي الله عنه.
هذا؛ وقد دلت السنة المطهرة على صفة الدعاء المقبول، من تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والثناء على الله ليكون وسيلة للإجابة؛ كما صحّ عن فضالة بن عبيد، قال: “سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجَّل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد بما شاء”؛ رواه الرترمذي وقا: هذا حديث حسن صحيح، وهو عند أحمد وأبو داود.
وعليه، فالمداومة على قراءة الفاتحة بعد الدعاء بدعة؛ لأنه لم يثبت فعله عن النبي – صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم،، والله أعلم.
Source link