من أخْلَصَ خُلِّص – أحمد بن ناصر الطيار

منذ حوالي ساعة

أفضلُ العبادة عند الله تعالى أكملُها، ولا تكمل العبادة إلا بكمال أمور ثلاثة: إخلاصِ العبد – صوابِ العبادة – أثر العبادة.

أفضلُ العبادة عند الله تعالى أكملُها، ولا تكمل العبادة إلا بكمال أمور ثلاثة:
1-كمال إخلاصِ العبد، وذلك بإخلاصه وابتغائه وجه الله، وشدة استحضار النية في العبادة، وإقباله على الله بحبّ ورجاء وخوف وإنابة وتضرّع.

2-كمال صوابِ العبادة، وذلك بأن تكون موافقة للسنة، مشتملةً على أداء الأركان والشروط والواجبات والمستحبات، سالمة من التقصير والخلل.

3-كمال أثر العبادة، وذلك باشتمالها على المصالح التي تعود عليه وعلى غيره بالنفعِ والخير.
فمن كمّل هذه الأمور الثلاثة فقد كمُل عند الله، وحقّق مرتبة العبوديّة، وبلغ مرتبة الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ويرى – في أحايين كثيرة – بعين بصيرته – خاصة في صلاته وذكره ودعائِه وغيرها – سدرةَ المنْتهى، والبيت المعمور، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، وذلك راجع إلى صفاء قلبه واضْمحلال الحُجُب التي تحجبه عن رؤية ما أُخبر به ووُصف له، حتى كأنه رأي عين.
فالقلب متى ترقّى إلى المنازل الإيمانيّة، وحقّق مراتب العبوديّة، ورأى بعين اليقين الحقائق الغيبيّة: لن يستطيع الشيطان أن يصرفه عن ربه، ولن يقدر أن يزيّن له شهوةً نهاه عنها ربّه، فلا يلتفت إليها ولا تدخله، وإن دخلته فسرعان ما يَصرف عنه ربّه السوء والفحشاء، فتخرج خاسئة ذليلة حقيرة مبغوضة منبوذة.
كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام وقد أجلب الشيطان بخيله ورجله، وزيّن له امرأة جميلة خَلَت به: {كَذَلِكَ ‌لِنَصْرِفَ ‌عَنْهُ ‌السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، وفي قراءة: {الْمُخْلِصِينَ} -بكسرِ اللام- ، فذكر الله تعالى سبب صرْف قلبه عن التعلّق بها ومحبّتها والميل إليها، وهو إخلاص قلْبِه وأقوالِه وقصْدِه لله وحده.
فمن أعظمِ أسبابِ تلوّث الإنسانِ بالفحشاء أو تعلّق قلبه بها: تقْصِيرُه في الإخلاص التامّ لله تعالى.

ومن كمّل مراتب الإخلاص خلّصه الله من كلّ بليّة، وانْتَشَله من كلّ فتنة، وصرفه عن كلّ سوء وفاحشة.
فهذا العبد لا يحبّ إلا ما يُحبّه ربّه، فحبُّه لله وفي الله، فيحبّه الله ويحبُّ له ما يُحبّ، ويُحبّبه ويرَضّيه بما يقْضيه، وإن كان ذلك شاقّا على غيره، فهو عليه غير شاقّ، لأنّ لطف الله سكن قلبه، وعناية الله أحاطت بروحه.
وله نصيبٌ من قوله تعالى عن موسى عليه السلام: {وألقيت عليك محبة مني ‌ولتصنع ‌على ‌عيني}، أي: لِتُربّى وَلِتُغَذَّى بعين الله. 

فقد صنع الله بدَن موسى وخُلُقَه ودِينه وعقْله بمرأى منه وتمامِ عنايتِه وإحاطته وتوفيقه.
قال الطبري رحمه الله: ” وَعَنَى بقوله (عَلى عَيْنِي) بمرْأى منّي ومحبّة وإرادة”. 
والمحبة التي لك في قلوب الناس لا تقدر أن تُلقيها أنت في قلوبهم، والعنايةُ والتوفيق والسّداد لن تصْنعها أنت لنفسك، بل يصنعها الله وحده بمشيئتِه.
ولن يصنع الله لك العنايةَ والوفيق والسّداد، ولن تنْجذب القلوب إليك محبةً وإجلالًا إلا إذا كنتَ له وبه.
كنتَ له: بالإخلاص له.
وكنتَ به بالاستعانة به.
فمتى كنت لله مُخلصًا وبالله مستعينًا: فقد هُديت تمام الهداية إلى الصراط المستقيم، وصدّق قلبُكَ لسانَك في قولك: {إياك نعبد وإياك نستعين}.
أسأل الله أن يجعلنا ممن أحبّه وحبَّبه إلى خلقه، وممن أخلص له فخلّصه من كلّ فتنة وسوء وفحشاء، وممن استعان به فأعانه وثبّته، إنه سميع قريب مجيب.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

النفس والفتن – أحمد الهاجري

منذ حوالي ساعة لا تنبت الفتن إلا في مواطن إثارة النفس لا تنبت الفتن إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *