النظرة سهم من سهام إبليس القاتلة فاتق الله في نظراتك في الطريق أو الشاشات أو مواقع النت أو أماكن العمل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
النظرة سهم من سهام إبليس القاتلة فاتق الله في نظراتك في الطريق أو الشاشات أو مواقع النت أو أماكن العمل.
قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 30-31] .
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ما رَأيتُ شيئًا أشبَهَ باللَّمَمِ مِمَّا قال أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إنَّ اللَّهَ كتَبَ على ابنِ آدَمَ حَظَّه مِنَ الزِّنا، أدرَك ذلك لا مَحالةَ؛ فزِنا العَينينِ النَّظَرُ، وزِنا اللِّسانِ النُّطقُ، والنَّفسُ تَمَنَّى وتَشتَهي، والفَرجُ يُصَدِّقُ ذلك أو يُكذِّبُه» [متفق عليه] .
و عن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: «سَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن نَظَرِ الفُجاءةِ فأمَرَني أن أصرِفَ بَصَري » [مسلم ] .
و عن بُرَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَليٍّ: «يا عليُّ، لا تُتبِعِ النَّظرةَ النَّظرةَ؛ فإنَّ لك الأولى وليسَت لك الآخِرةُ » الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2149)، وحسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2149)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ. ” data-original-title=”” title=””> .
عن وكيعٍ، قال: (خَرَجنا مَعَ الثَّوريِّ في يَومِ عيدٍ، فقال: إنَّ أوَّلَ ما نَبدَأُ به في يَومِنا هذا غَضُّ البَصَرِ) .
قال القُرطُبيُّ -تَبَعًا لابنِ عَطيَّةَ-: (البَصَرُ هو البابُ الأكبَرُ إلى القَلبِ، وأعمَرُ طُرُقِ الحَواسِّ إليه، وبحَسَبِ ذلك كَثُرَ السُّقوطُ مِن جِهَتِه، ووجَبَ التَّحذيرُ مِنه، وغَضُّه واجِبٌ عن جَميعِ المُحَرَّماتِ، وكُلِّ ما يُخشى الفِتنةُ مِن أجلِهـ) .
مما يُستعانُ به على غضِّ البصرِ
قال رَجُلٌ للجُنَيدِ: (بمَ أستَعينُ على غَضِّ البَصَرِ؟ فقال: بعِلمِك أنَّ نَظَرَ النَّاظِرِ إليك أسبَقُ مِن نَظَرِك إلى المَنظورِ إليهـ)
قال ابنُ مُفلِحٍ: (ليَحذَرِ العاقِلُ إطلاقَ البَصَرِ؛ فإنَّ العَينَ تَرى غَيرَ المَقدورِ عليه على غَيرِ ما هو عليه، ورُبَّما وقَعَ مِن ذلك العِشقُ، فيَهلِكُ البَدَنُ والدِّينُ، فمَنِ ابتُليَ بشَيءٍ مِنه فليَتَفكَّرْ في عُيوبِ النِّساءِ)
قال ابنُ القَيِّمِ: (النَّظَرُ أصلُ عامَّةِ الحَوادِثِ التي تُصيبُ الإنسانَ؛ فالنَّظرةُ تولِّدُ خَطرةً، ثُمَّ تولِّدُ الخَطرةُ فِكرةً، ثُمَّ تولِّدُ الفِكرةُ شَهوةً، ثُمَّ تولِّدُ الشَّهوةُ إرادةً، ثُمَّ تَقوى فتَصيرُ عَزيمةً جازِمةً، فيَقَعُ الفِعلُ ولا بُدَّ، ما لم يَمنَعْ مِنه مانِعٌ، وفي هذا قيل: الصَّبرُ على غَضِّ البَصَرِ أيسَرُ مِنَ الصَّبرِ على ألمِ ما بَعدَه.
وقد قيل: إنَّ حَبسَ اللَّحَظاتِ أيسَرُ مِن دَوامِ الحَسَراتِ)
قال الإمام ابن القيم في الداء والدواء:
قال ابنُ القيمِ: (النَّظرةُ سَهمٌ مَسمومٌ مِن سِهامِ إبليسَ، ومَن أطلقَ لحَظاتِه دامَت حَسَراتُه، وفي غَضِّ البَصَرِ عِدَّةُ مَنافِعَ:
أحَدُها: أنَّه امتِثالٌ لأمرِ اللهِ، الذي هو غايةُ سَعادةِ العَبدِ في مَعاشِه ومَعادِه؛ فليسَ للعَبدِ في دُنياه وآخِرَتِه أنفعُ مِنِ امتِثالِ أوامِرِه، وما شَقيَ مَن شَقي في الدُّنيا والآخِرةِ إلَّا بتَضييعِ أوامِرِه.
الثَّانيةُ: أنَّه يَمنَعُ مِن وُصولِ أثَرِ السَّهمِ المَسمومِ -الذي لعَلَّ فيه هَلاكَه- إلى قَلبِه.
الثَّالثةُ: أنَّه يورِثُ القَلبَ أُنسًا باللهِ وجَمعيَّةً عليه؛ فإنَّ إطلاقَ البَصَرِ يُفرِّقُ القَلبَ ويُشَتِّتُه، ويُبعِدُه عنِ اللهِ، وليسَ على القَلبِ شَيءٌ أضَرَّ مِن إطلاقِ البَصَرِ؛ فإنَّه يورِثُ الوَحشةَ بَينَ العَبدِ ورَبِّه.
الرَّابعةُ: أنَّه يُقَوِّي القَلبَ ويُفرِحُه، كَما أنَّ إطلاقَ البَصَرِ يُضعِفُه ويَحزُنُه.
الخامِسةُ: أنَّه يَكسِبُ القَلبَ نورًا، كما أنَّ إطلاقَه يُلبِسُه ظُلمةً؛ ولهذا ذَكَر اللهُ سُبحانَه آيةَ النُّورِ عَقيبَ الأمرِ بغَضِّ البَصَرِ، فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] ، ثُمَّ قال إثرَ ذلك: {اللَّهُ نُورُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِه كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] ، أي: مَثَلُ نُورِه في قَلبِ عَبدِه المُؤمِنِ الذي امتَثَل أوامِرَه واجتَنَبَ نَواهيَه، وإذا استَنارَ القَلبُ أقبلَت وُفودُ الخَيراتِ إليه مِن كُلِّ ناحيةٍ، كما أنَّه إذا أظلمَ أقبَلَت سَحائِبُ البَلاءِ والشَّرِّ عليه مِن كُلِّ مَكانٍ، فما شِئتَ مِن بدَعٍ وضَلالةٍ، واتِّباعِ هَوًى، واجتِنابِ هُدًى، وإعراضٍ عن أسبابِ السَّعادةِ، واشتِغالٍ بأسبابِ الشَّقاوةِ؛ فإنَّ ذلك إنَّما يَكشِفُه له النُّورُ الذي في القَلبِ، فإذا نَفِد ذلك النُّورُ بَقيَ صاحِبُه كالأعمى الذي يَجوسُ في حَنادِسِ الظَّلامِ.
السَّادِسةُ: أنَّه يورِثُ فِراسةً صادِقةً يُمَيِّزُ بها بَينَ الحَقِّ والباطِلِ، والصَّادِقِ والكاذِبِ، وكان شاه الكَرمانيُّ يَقولُ: “مَن عَمَر ظاهِرَه باتِّباعِ السُّنَّةِ، وباطِنَه بدَوامِ المُراقَبةِ، وغَضَّ بَصَرَه عنِ المَحارِمِ، وكَفَّ نَفسَه عنِ الشُّبُهاتِ، واغتَذى بالحَلالِ؛ لم تُخطِئْ له فِراسةٌ”.
واللهُ سُبحانَه يَجزي العَبدَ على عَمَلِه بما هو مِن جِنسِ عَمَلِه، ومَن تَرَكَ للهِ شَيئًا عَوَّضه اللَّهُ خَيرًا مِنه؛ فإذا غَضَّ بَصَرَه عن مَحارِمِ اللهِ عَوَّضَه اللهُ بأن يُطلِقَ نورَ بَصيرَتِه عِوضًا عن حَبسِ بَصَرِه للهِ، ويَفتَحُ عليه بابَ العِلمِ والإيمانِ، والمَعرِفةِ والفِراسةِ الصَّادِقةِ المُصيبةِ التي إنَّما تُنالُ ببَصيرةِ القَلبِ…
السَّابعةُ: أنَّه يورِثُ القَلبَ ثَباتًا وشَجاعةً وقوَّةً، فيَجمَعُ اللَّهُ له بَينَ سُلطانِ النُّصرةِ والحُجَّةِ، وسُلطانِ القُدرةِ والقوَّةِ، كما في الأثَرِ: “الذي يُخالِفُ هَواه يَفِرُّ الشَّيطانُ مِن ظِلِّه”.
وضِدُّ هذا تَجِدُ في المُتَّبعِ لهَواه -مِن ذُلِّ النَّفسِ ووضاعَتِها ومَهانَتِها وخِسَّتِها وحَقارَتِها- ما جَعَله اللهُ سُبحانَه فيمَن عَصاه، كَما قال الحَسَنُ: “إنَّهم وإن طَقطَقَت بهمُ البِغالُ، وهَملَجَت بهمُ البَراذينُ، إنَّ ذُلَّ المَعصيةِ في رِقابِهم! أبى اللهُ إلَّا أن يُذِلَّ مَن عَصاه”.
وقد جَعَل اللهُ سُبحانَه العِزَّ قَرينَ طاعَتِه، والذُّلَّ قَرينَ مَعصيَتِه… ومَن أطاعَ اللَّهَ فقد والاه فيما أطاعَه فيه، وله مِنَ العِزِّ بحَسَبِ طاعَتِه، ومَن عَصاه فقد عاداه فيما عَصاه فيه، وله مِنَ الذُّلِّ بحَسَبِ مَعصيَتِه.
الثَّامِنُ: أنَّه يَسُدُّ على الشَّيطانِ مَدخَلَه مِنَ القَلبِ؛ فإنَّه يَدخُلُ مَعَ النَّظرةِ ويَنفُذُ مَعَها إلى القَلبِ أسرَعَ مِن نُفوذِ الهَواءِ في المَكانِ الخالي، فيُمَثِّلُ له صورةَ المَنظورِ إليه ويُزَيِّنُها، ويَجعَلُها صَنَمًا يَعكُفُ عليه القَلبُ، ثُمَّ يَعِدُه ويُمَنِّيه، ويوقِدُ على القَلبِ نارَ الشَّهوةِ، ويُلقي عليها حَطَبَ المَعاصي التي لم يَكُنْ يَتَوصَّلُ إليها بدونِ تلك الصُّورةِ، فيَصيرُ القَلبُ في اللَّهَبِ.
فمِن ذلك اللَّهَبِ تلك الأنفاسُ التي يَجِدُ فيها وَهَجَ النَّارِ، وتلك الزَّفَراتُ والحُرُقاتُ؛ فإنَّ القَلبَ قد أحاطَت به النِّيرانُ بكُلِّ جانِبٍ، فهو في وسَطِها كالشَّاةِ في وسَطِ التَّنُّورِ؛ ولهذا كانت عُقوبةُ أصحابِ الشَّهَواتِ للصُّوَرِ المُحَرَّمةِ: أنْ جُعِل لهم في البَرزَخِ تَنُّورٌ مِنَ النَّارِ، وأُودِعَت أرواحُهم فيه إلى يَومِ حَشرِ أجسادِهم، كما أراها اللَّهُ لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ في الحَديثِ المُتَّفَقِ على صِحَّتِه البخاري (7047). ” data-original-title=”” title=””> .
التَّاسِعةُ: أنَّه يُفَرِّغُ القَلبَ للفِكرةِ في مَصالِحِه والاشتِغالِ بها، وإطلاقُ البَصَرِ يُنسيه ذلك ويَحولُ بَينَه وبَينَه، فيَنفرِطُ عليه أمرُه، ويَقَعُ في اتِّباعِ هَواه، وفي الغَفلةِ عن ذِكرِ رَبِّه؛ قال تعالى: { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28] . وإطلاقُ النَّظَرِ يوجِبُ هذه الأُمورَ الثَّلاثةَ بحَسَبِه.
العاشِرةُ: أنَّ بَينَ العَينِ والقَلبِ مَنفذًا وطَريقًا يوجِبُ انفِعالَ أحَدِهما عنِ الآخَرِ، وأن يَصلُحَ بصَلاحِه، ويَفسُدَ بفسادِه، فإذا فسَدَ القَلبُ فسَدَ النَّظَرُ، وإذا فسَدَ النَّظَرُ فسَدَ القَلبُ، وكذلك في جانِبِ الصَّلاحِ؛ فإذا خَرِبَتِ العَينُ وفسَدَت خَرِبَ القَلبُ وفسَدَ، وصارَ كالمَزبَلةِ التي هيَ مَحَلُّ النَّجاساتِ والقاذوراتِ والأوساخِ، فلا يَصلُحُ لسُكنى مَعرِفةِ اللهِ ومَحَبَّتِه والإنابةِ إليه، والأُنسِ به والسُّرورِ بقُربِه فيه، وإنَّما يَسكُنُ فيه أضدادُ ذلك.
فهذه إشارةٌ إلى بَعضِ فوائِدِ غَضِّ البَصَرِ تُطلِعُك على ما وراءَها)
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
Source link
